للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ اليهودَ أتوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: السَّامُ عليكَ؟ قال: «وعليكم». فقالت عائشةُ: السَّامُ عليكم، ولعنَكُم الله، وغضب عليكم! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَهْلاً يا عائشةُ! عليكِ بالرِّفقِ، وإيَّاكِ والعُنْفَ أو الفُحْشَ». قالت: أَوَلَمْ تسمع ما قالوا؟ قال: «أَوَلَم تسمعي ما قلتُ، رددتُ عليهم؛ فيستجابُ لي فيهم، ولا يُستجاب لهم فِيَّ». (١)

ففي هذا الحديث أدبٌ نبويٌّ كريم في الردِّ على من أساء في السلام عليه حقدًا منه وحسدًا، فأرشد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى الاكتفاء في الجواب بكلمة «وعليكم!»، فيرتدُّ على القائل ما أراد الإساءة به.

قال ابن بطال القرطبيُّ رحمه الله: «في الحديث أدب عظيم من أدب الإسلام، وحضٌّ على الرفق بالجاهل والصفح والإغضاء عنه؛ لأنَّ الرسولَ عليه السلام تركَ مقابلةَ اليهود بمثل قولهم، ونَهَى عائشةَ عن الإغلاظ في ردِّها، وقال: مهلاً يا عائشةُ! إنَّ الله يحبُّ الرِّفقَ في جميع الأمور؛ لعموم قوله: «إنَّ الله يحبُّ الرِّفقَ في الأمر كلِّه» (٢)، وإن كان الانتصارُ بمثل ما قوبل به المرء جائزًا، لقوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: ٤١]، فالصبر أعظم أجرًا وأعلَى درجةً لقوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: ٤٣]، والصَّبْرُ أخلاقُ النبيين والصالحين، فيجبُ امتثال طريقتهم والتأسِّي بهم، وقَرْعُ النَّفْسِ عن المغالبة، رجاءَ ثواب الله على ذلك». (٣)


(١) أخرجه البخاري في «الصحيح» (٢٩٣٥)، وفي «الأدب المفرد» (٣١١). والسَّامُ: الموتُ.
(٢) هذا في لفظ آخر من ألفاظ حديث عائشة المذكور: أخرجه البخاري في «الصحيح» (٦٠٢٤)، وفي «الأدب المفرد» (٤٦٢)، ومسلم في «الصحيح» (٢١٦٥).
(٣) «شرح صحيح البخاري» (٩/ ٢٢٦).

<<  <   >  >>