للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان قد أفتَى بوجوب محاربة وقتال الإنجليز في جميع البلاد عامَّةً، بسبب محاربتهم وعدوانهم على مصرَ خاصَّةً ـ ما نصُّه: «قلتم: يجب على كلّ مسلمٍ في أيِّ بقعةٍ من بقاع الأرض أن يحاربهم، وأن يقتلهم حيثما وُجدوا، مدنيِّين كانوا أو عسكريِّين، ... الخ. أقول: هذا التعميم والإطلاق فيه نظرٌ، لأنَّه يشمل المسلمين الموجودين في مصر وغيرَهم. والصوابُ: أنْ يُستثنَى من ذلك مَن كان من المسلمين رعيةً لدولةٍ أخرى من الدول المنتسبة للإسلام التي بينها وبين الإنجليز مهادنةٌ، لأنَّ محاربة الإنجليز لمصر لا توجب انتقاضَ الهدنةِ التي بينها وبين دولة أخرى من الدول الإسلامية، ولا يجوز لأيِّ مسلمٍ من رعيَّة الدولة المهادِنَة محاربة الإنجليز لعدوانهم على مصر، وعدم جلائهم عنها. والدَّليلُ على ذلك قوله سبحانه في حقِّ المسلمينَ الذين لم يهاجروا: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ في الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال: ٧٢]، ومن السنَّةِ: قصَّة أبي جَنْدل وأبي بصيرٍ لمَّا هربَا من قريشٍ وقتَ الهدنةِ، والقصَّةُ لا تَخفى علَى فضيلَتَكُم» (١).

قلتُ: والقصة التي أشار إليها الشيخُ رحمه الله هي أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد صالح أهل مكَّة في الحُديبية، في السنة السادسة بعد الهجرة، وكان من شروط الصلح أن يردَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من يلحق به من كفَّار مكة مسلمًا أو يريد الإسلام (٢)، فجاءه هناك أبو جندلِ ابنُ سُهيل بن عمرو مسلمًا، فطالبوا به؛ فردَّه إليهم، فصرخَ أبو جندلٍ ـ بأعلى صوته ـ: يا معاشر المسلمين! أُردُّ إلى المشركين وقد جِئْتُ مسلمًا، ألا تَرونَ إلى ما لقيتُ؟! وكان قد عُذِّب عذابًا شديدًا في الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا أبا جندلٍ! اصبِرْ واحتسبْ، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ جاعلٌ لكَ، ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، إنَّا قد عقَدْنا بيننا وبين


(١) «الرسائل المتبادَلة بين الشيخ ابن باز والعلماء» (ص ٥٩٥).
(٢) انظر: «السيرة النبوية» لابن هشام (٢/ ٣٠٨ - ٣٢٧).

<<  <   >  >>