للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القوم صُلْحًا، فأَعطيناهم على ذلكَ، وأعطونا عليه عهدًا، وإنَّا لن نَغْدِرَ بهم» (١).

وقد وفَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعهده مع المشركين، رغم تمكُّن بعض المسلمين من الهرب من مكَّة والالتجاء إلى دولة الإسلام في المدينة، ففي تمام قصَّة صلح الحديبية: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجَعَ إلى المدينة؛ فجاءه أبو بصيرٍ ـ رجلٌ من قريش ـ وهو مسلمٌ، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهدَ الذي جعلتَ لنا! فدفَعَه - صلى الله عليه وسلم - إلى الرجلين، فخرجا به، حتى بلغا ذا الحليفة (٢)، فنزلوا يأكلون من تمرٍ لهم، فقال أبو بصيرٍ لأحد الرجلين: والله إنِّي لأرى سيفكَ هذا يا فلان جيدًا! فاستلَّه الآخرُ، فقال: أجلْ، والله إنَّه لجيِّدٌ، لقد جرَّبتُ به ثم جربتُ! فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه! فأَمْكَنَه منه، فضربه حتى بَرَدَ (٣)، وفَرَّ الآخرُ، حتَّى أتى المدينةَ، فدخل المسجدَ يعدو، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ـ حينَ رآه ـ: «لقد رأى هذا ذُعرًا». فلمَّا انتهى إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: قُتل والله صاحبي، وإنِّي لَمقتولٌ. فجاء أبو بصيرٍ، فقال: يا نبيَّ الله! قد ـ والله! ـ أوفَى الله ذِمَّتكَ، قد ردَدْتَني إليهم، ثم أَنْجاني الله منهم. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وَيْلَ أمِّه مِسْعَرَ حربٍ، لو كان له أحدٌ». فلمَّا سمع ذلك؛ عرف أنه سيردُّه إليهم، فخرج حتَّى أتى سِيْفَ البحر (٤)، قال: وينْفَلتُ منهم أبو جندلٍ ابنُ سُهيل، فلحق بأبي بصيرٍ، فجعل لا يخرج من قريشٍ رجلٌ قد أسلم إلا لَحِقَ بأبي بصيرٍ، حتَّى اجتمعتْ منهم


(١) أخرجه الإمام أحمد في «المسند» (٤/ ٣٢٥:١٨٩١٠) من حديث عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، بهذا اللفظ، وأصل الحديث في «صحيح البخاري» كما سيأتي.
(٢) موضعٌ قريبٌ من المدينة.
(٣) أي: ماتَ.
(٤) أي: ساحلَهُ، وكان طريق أهل مكَّة إذا قصدوا الشام. «فتح الباري» (٥/ ٣٥٠).

<<  <   >  >>