للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منهم بطريق القمار؛ فذلك كلُّه طيِّبٌ له». انتهى ملخصًا (١). فانظر كيف جعل موضوع المسألة الأخذ من أموالهم برضاهم، فعُلمَ أن المراد من الربا والقمار ـ في كلامهم ـ ما كان على هذا الوجه، وإن كان اللفظ عامًّا، لأن الحكم يدور مع علته غالبًا». (٢)

خامسًا: ويتبيَّن بما تقدَّم أنَّ الحنفيَّة لم يقولوا باستحلال المحرَّمات في دار الكفر، ولا خطر ببالهم أنَّ المسلم المقيم فيها يجوز له التحلُّل من الشريعة، وانتهاك الحرمات، بل صرَّحوا بتحريم الربَّا بين المسلمين في تلك الدِّيار، لأنَّ العبرة بعصمة المال، لا بالدَّار:

قال السرخسيُّ رحمه الله: «وأمَّا التَّاجران من المسلمين في دار الحرب؛ فلا يجوز بينهما إلا ما يجوز في دار الإسلام، لأنَّ مال كلِّ واحدٍ منهما معصومٌ متقوَّمٌ، وأنَّ ذلك يثبت بالإحراز بدار الإسلام، ولا ينعدم معنَى الإحراز بالاستئمان إليهم، ولهذا يضمَنُ كلُّ واحدٍ منهما مالَ صاحبه إذا أتلفه، وإنَّما يتملَّك كلُّ واحدٍ منهما على صاحبه بالعقد الذي باشره، ولا يجوز إثبات عقدٍ لم يباشراه بينهما مِن هبةٍ أو غيرها». (٣)

وبهذه النقاط الخمس تتجلَّى لنا حقيقةُ مذهب الحنفيَّة في هذه المسألة، فمن زعم أنَّهم يستحلُّون المحرمات في دار الكفر؛ فقد أعظمَ الفريةَ عليهم، ومن أفتَى بجواز شراء المسلم دارًا فيها، يدفع ثمنها بأقساط ربويَّة، وزعم أن ذلك مذهب الحنفية؛ فقد أعظم الفرية عليهم، وخان أمانةَ العلم والفتوى. (٤)


(١) من كتاب: «شرح كتاب السِّير الكبير» للسَّرخسيِّ (٤/ ١٤١٠:٢٧٣٤).
(٢) «رد المحتار على الدر المختار» (٥/ ١٨٦).
(٣) «المبسوط» (١٤/ ٥٨).
(٤) فقد تبيَّن أنَّ الحنفيَّة أجازوا في الصورة السابقة أن يكون المسلم قابضًا للزيادة الربويَّة لا دافعًا لها، كما أنَّهم أجازوا تلك الزيادة بغير الرِّبا كبيع الخمر والخنزير والميتة والقمار وغير ذلك، والذين يُفْتُون المسلمين في الغرب ويَفْتنونَهم بجواز شراء المساكن بالربا لا يفتونهم بجواز جميع هذه المعاملات، فيقعون في التناقض، وهو ممَّا يبيِّنُ فسادَ قولهم.

<<  <   >  >>