للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تفنيدُ قولِ الحنفيَّة:

لقد تبيَّن لنا أنَّ رأي الحنفيَّة واردٌ في صورةٍ محدَّدةٍ، قد تكون موضع اجتهادٍ ونظرٍ، ومع ذلك فإنَّ عامَّة الفقهاء من السَّلف والخلف لم يسلِّموا به، بل ردُّوه ونقضوه، لخلوِّه من الدَّليل والبرهان، ومخالفته لأصول الشريعة وقواعدها الكليَّة:

قال الإمام عبدُ الرَّحمن بن عمرٍو الأوزاعيُّ رحمه الله (١): «الرِّبا عليه حرامٌ في أرض الحرب وغيرها، لأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قد وضع من ربا أهل الجاهلية ما أدركه الإسلامُ من ذلك، وكان أول ربًا وضعَهُ ربا العبَّاس بن عبد المطلب رضي الله عنه (٢). فكيف يستحلُّ المسلمُ أكلَ الرِّبا في قومٍ قد حرَّم الله عليه دماءَهم وأموالَهم (٣)، وقد كان المسلم يُبايع الكافرَ في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فلا يستحلُّ ذلك (٤)».


(١) أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت: ١٥٧/ ٧٧٤): من أئمة الإسلام الكبار كان محدِّثًا ثقةً حافظًا، زاهدًا ورعًا، عالمًا بالسنة وأقوال السلف، فقيهًا مجتهدًا، وكان أهل الشام والأندلس قديمًا على مذهبه في الفقه. مترجم في «سير أعلام النبلاء» (٧/ ١٠٧:٤٨).
(٢) وذلك في خطبته الشَّهيرة في حجَّة الوداع سنةَ عشرٍ من الهجرة (٦٣٢ م)، أخرجها مسلمٌ في «الصحيح» (١٢١٨) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(٣) يعني: أن الله حرَّم على المسلم دماء وأموال الكفار المستأمِنينَ له.
(٤) هذا برهانٌ قويٌّ في نقض قول الحنفيَّة، خاصَّة أنَّهم لا يفرقون في هذه المسألة بين الكفار الموادعين والكفار الحربيِّين، والكفَّار الذين كانوا في زمن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كانوا من أحد الصنفين ولا بدَّ، ومع ذلك لم يرد أنَّ أحدًا من المسلمين استحلَّ الربا معهم، بل لم يرد إلا ما يدلُّ على التزامهم بالأحكام الشرعية التفصيلية في معاملاتهم مع كلا الصِّنفين.

<<  <   >  >>