للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على مالٍ، يجوز له الاستيلاء عليه بالقَهْرِ والغَصْبِ؛ لولا عقد الأمان.

ثالثًا: أمَّا إذا كان مال الكافر معصومًا، لا يحلُّ للمسلم الاستيلاء عليه؛ فلا يحلُّ له معاملته بالربَّا ولا بغيره من العقود المحرَّمة، لأنَّه إذا نال منه بذلك بعض ماله؛ فقد ناله بعقدٍ محرَّمٍ، وليس لكونه مستباحًا له. فهذا فرقٌ مهم بين الحالتين، نورد توضيحه من كلام أحد فقهاء الحنفية.

قال الكرابيسيُّ رحمه الله (١): «حربيٌّ دخل إلى دار الإسلام بأمانٍ، فبايعه مسلمٌ درهمًا بدرهمين لم يجزْ، ولو أنَّ مسلمًا دخل دار الحرب بأمانٍ فبايعهم درهمًا بدرهمين جازَ؛ إن كان مال كلِّ واحدٍ على الإباحة، وقد رضي بتمليكه عليه. والفَرْقُ في أنَّ المسلمَ بدخوله دار الحرب آمنًا لم يصرْ لهم عاقدًا عقد الأمان، بدليل أنَّ غيره من المسلمين لو قتلهم وأخذ أموالهم مَلَكَه، وكان له ذلك، إلا أنَّ هذا المسلم وعد ألا يأخذ مالهم إلا برضاهم، فيجب أن يفي بما وعد، فبقي مالُهم على الإباحة، فإذا توصَّل إلى أخذه من غير نقضِ عهدٍ برضاهم جازَ. وأما الحربيُّ إذا دخل دارنا بأمانٍ؛ فقد عقدنا له عقد الأمان، بدليل أنَّ كل واحدٍ من أهل دارنا إذا أخذ مالَه لا يملكه، فخرج مالُه من أن يكون على حقيقة الإباحة، فصار مالاً مُحْرَزًا بأيدي المسلمين، فلا يملكه المسلمُ بالقَهْرِ، وإنَّما يملكه بالعقد، وتمليك درهم بدرهمين بالعقد يكون رِبًا، فلم يَجُزْ». (٢)

رابعًا: وممَّا تقدَّم يتبيَّن أن البحث عند الحنفيَّة منحصِرٌ في استيلاء المسلم على مال الكافر الحربيِّ بوجهٍ من الوجوه المحرَّمة، بخلاف بذل المسلم مالَه


(١) أبو المظفَّر أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسيُّ (ت: ٥٧٠/ ١١٧٤): فقيهٌ حنفيٌّ أديبٌ. من كتبه: «الفروق» و «الموجز» في الفقه. مترجم في: «الأعلام» (١/ ٣٠١).
(٢) «الفروق» (١/ ٣٢٦).

<<  <   >  >>