للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السَّرَخْسِيُّ رحمه الله: «ولو أنَّ أهل دارٍ من أهل دار الحرب وادَعُوا أهل الإسلام، فدخل إليهم مسلمٌ، وبايعهم الدرهم بدرهمين لم يكن بذلك بأسٌ. لأنَّ بالموادعة لم تَصِرْ دارُهم دار الإسلام، وإنَّما يَحرُمُ على المسلمين أَخْذُ مالِهم بغير طيبِ أنفسِهم، لما فيه من غدر الموادعة، فإذا استرضاهم بهذه المعاملة فقد انعدم معنى الغدر، ولهذا طاب له ما أخذ» (١).

ومن هنا فمن دخل تلك الدار بأمانٍ ترتَّب على دخوله ـ عند الحنفية ـ أمران:

الأول: الالتزام بموجبات عقد الأمان، فلا يخونُهم، ولا يغدر بهم. وقد ذكرنا نصوص أئمة الحنفيَّة في تقرير هذا، وهم أكثر الفقهاء توثُّقًا في هذه المسألة.

الثاني: أنَّ أهل دار الحربِ وإن أعطوا الأمان لمسلمٍ أو لجماعةٍ من المسلمين؛ فهم لا يزالون حربيِّين في أصل علاقتهم مع المسلمين، وقد تقدَّم أن العدوَّ المحاربَ لا حرمةَ له في دمه ولا في ماله، لهذا فإنَّ المسلم الذي يدخل ديار أهل الحرب؛ لا يرى لهم أيَّ حرمةٍ، ويودُّ لو تمكَّن من أنفسهم وأموالهم، لكن يمنعه من ذلك التزامه بعقد الأمان، فلو قُدِّر تمكُّنه من أخذ بعض مالهم بوسيلةٍ لا تنافي موجبات الأَمان؛ لبادر إلى ذلك!

ثانيًا: إنَّ رأي الحنفيَّة في جواز التعامل بالربا ونحوه في دار الحرب مبنيٌّ على التأصيل السابق، أي: جواز استيلاء المسلم على مال عدوِّه المحارب له، وبما أنَّه مقيَّد بعقد الأمان فلا يمكنه الاستيلاء عليه بالغدر والخيانة؛ فإنَّه يجوز له أن يستولي عليه بطرقٍ يرتضيها عدوُّه الذي أمَّنه، ومن ذلك: أن يبذل له بعض ماله بعقدٍ يرتضيه؛ لكنَّه في حكم الشريعة محرَّم. والمسلمُ حينما يباشر ذلك العقد فإنَّه لا يستحلُّه، بل لا يعدُّه عقدًا صحيحًا ملزمًا، وإنَّما وسيلةً للاستيلاء


(١) «شرح السير الكبير» (٤/ ١٤٩٣).

<<  <   >  >>