للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهما: أنَّ مال الحربيِّ ليس بمعصومٍ بل هو مباحٌ في نفسه، إلا أنَّ المسلمَ المستأمَنَ مُنِعَ من تملُّكه من غير رضاه لما فيه مِنَ الغدر والخيانة، فإذا بَذَلَه باختياره ورضاه؛ فقد زال هذا المعنَى، فكان الأخذُ استيلاءً على مالٍ مباحٍ غير مملوكٍ. وأنَّه مشروعٌ مفيدٌ للمِلْكِ، كالاستيلاء على الحطَبِ والحشيش. وبه تبيَّن أنَّ العقد هاهنا ليس بتملُّكٍ، بل هو تحصيلُ شرط التملُّك، وهو الرِّضَى. لأنَّ ملك الحربيِّ لا يزول بدونه، وما لم يَزُلْ مِلْكُه لا يقع الأخذُ تملكًا، لكنَّه إذا زال فالملك للمسلم يثبت بالأخذ والاستيلاء لا بالعقد، فلا يتحقَّق الرِّبا، لأنَّ الربا اسمٌ لفضلٍ يُستفاد بالعقد. بخلاف المسلم إذا باع حربيًّا دخل دار الإسلام بأمانٍ؛ لأنه استفاد العصمةَ بدخوله دار الإسلام بأمانٍ، والمال المعصوم لا يكون محلاً للاستيلاء، فتعيَّن التملكُ فيه بالعقد، وشرط الربا في العقد مفسدٌ» (١).

وبالنظر والتأمُّل في هذين النَّصَّين نخلُص إلى ما يلي:

أولاً: إنَّ الحنفيَّةَ قد بنَوا رأيهم هذا على مبدإِ أنَّ أصل علاقة الدولة الإسلامية بغيرها قائمٌ على الحرب والمدافعة، وكان هذا رأي عامَّة الفقهاء في زمانه حيث كانت العلاقة بين الدول قائمة على الحرب والمدافعة والمغالبة، والمهادنة العارضة لم تكن لتزيل ذلك الأصل في العلاقة (٢)، لهذا قال


(١) «بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» (٥/ ١٩٢).
(٢) راجع ما سبق في مبحث (دار الحرب)، (ص ٦١)، ولسنا نقصد بهذا المسألةَ المعروفةَ في علاقة الدولة المسلمة بغيرها: هل هي قائمة على الحرب أم السلام؟ بل نقصد الإِخبارَ عن الواقع الذي كان موجودًا، ومن نظر في كتب التاريخ تأكد من صحة ما ذكرناه، ومن أوسعها وأعجبها: «قصة الحضارة» للمؤرخ الفيلسوف ول ديورانت (١٨٨٥ - ١٩٨١ م). لهذا نجد جوزيف فرانكل يقول في كتابه: «العلاقات الدولية» ص ١٦: «إن الفتح العسكري هو الطريقة الأسهل، ويبدو أنه كان هو «الأصل» على مدى التاريخ». وأرَّخ (ص: ٢٠) لظهور نظام الدول الإقليمية ذات السيادة في أوروبا بمعاهدة وستفاليا (Westphalia) سنة (١٦٤٨ م).

<<  <   >  >>