قال: وسأل رجلُ من أشراف البصرة عن معنى قول زهير وقال: أوجزوا التفسير " من الطويل ":
ومن يعص أطراف الزجاج فإنه ... يطيع العوالي ركبت كل لهذم
فذهبوا في التفسير كلَّ مذهب، فسأل الأصمعي فقال: مثل قولهم: من عصى السوط أطاع السيف. - قال المبرد: كانت العرب إذا جاءت تطلب صلحاً فعلامتهم أن يؤخروا صدور رماحهم فيقدموا زجاجها، فإن لم يقبلوا الصلح قلبوا الأسنة للحرب. - وسئل عن قول امرئ القيس " من الطويل ":
وهل ينعمن إلا سعيدٌ مخلَّدٌ ... قليلُ الهموم ما يبيت بأوجال
قال: هذا مثل قولهم: استراح من لاعقل له! وقال ابو حاتم: سألت الأصمعي عن قول المتلمس " من الطويل ":
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرعُ العصا ... وما علم الإنسان إلا ليعلما
فقال: أراد به: إنما يقبل التذكرة والوعظ ذو العقل، وكان ذلك أن عامر بن الظرب العدواني حاكم العرب كان قد اضطرب حكمه لطول عمره، فقال لولده: إذا رأيتموني أحكم بصواب فأمسكوا! وإذا رأيتموني قد اضطربت فحركوا عصا في أيديكم! وقال: إلا ترى إلى قول الآخر " من الكامل ":
وزعمتم أن لاحلوم لنا ... إن العصا قرعت لذي الحلم
قال المازني: سألت الأصمعي عن بيت الأعشى " من البسيط ":
وما طلابك شيئاً لست مدركه ... إن كان عنك غراب الجهل قد وقعا
وأنشدته أنا لأبي حية النميري " من المتقارب ":
زمان عليَّ غرابٌ غدافٌ ... فطيَّره الدهرُ عني فطارا
فقال الأصمعي: أراد أن جهل شبابه الذي شعره أسود فيه كريش الغراب، قد طار عنه بشيبه. وأنشدني " من المتقارب ":
زمان عليّ غرابٌ غدافٌ ... فطيَّره القدر السابق
وصار على وكره عقعق ... من البلق ذو شيبةٍ ناغقُ
وسئل عن بيت ابن مقبل " من المتقارب ":
لعمر أبيك لقد شاقني ... خيالٌ حزنتُ له إذ حزن
فقال: هذا مثلُ قول مزاحم العقيلي " من الطويل ":
بكت دراهم من نأيهم فتسرعت ... دموعي فأي الباكيين ألومُ
أمستعبراً يبكي على الهون والبلى ... أم اخر يبكي شجوه ويهيم
وليس ثمَّ حزن ولا ههنا بكاء. - قال: وأنشد عنده أبيات دعبل " من الكامل ":
أين الشبابُ وأيَّةً سلكا ... لا أين يُطلب ضلَّ بلْ هلكا
لا تعجبي يا سلمَ من رجلٍ ... ضحك المشيبُ برأسه فبكى
قد كان يضحك في شبيبته ... فأتى المشيبُ فقلَّما ضحكا
يا سلم ما بالشيبِ منقصةٌ ... لاسوقةً يبقي ولا ملكا
قصر الغواية عن هوى قمرٍ ... وجد السبيلَ إليه مشتركا
لاتأخذا بظلامتي أحداً ... قلبي وطرفي في دمي اشتركا
فعجب الناسُ من قوله: " ضحك المشيب برأسه فبكى "، فقال: إنما أخذ قوله من قول الحسين بن مطير الأسدي حيث يقول " من الخفيف ":
أين أهلُ القباب بالدهناء ... أين جيراننا على الأحساء
جاورونا والأرضُ ملبسةٌ نو ... رَ الأقاحي تجادُ بالأنواء
كلَّ يومٍ بأقحوان جديد ... تضحك الأرض من بكاء السماء
قال: وقد أخذه أيضاً مسلم بن الوليد صريعُ الغواني حيث يقول " من السريع ":
مستعبرٌ يبكي على دمنةٍ ... ورأسه يضحكُ فيه المشيب
وقال الأصمعي: أولُ الإبل الذود إلى العشرة، فإذا بلغت الخمسة عشر إلى عشرين فهي الصرمة، فإذا بلغت ثلاثين أو أربعين فهي صُبَّة، فإذا بلغت خمسين إلى الستين فهي هجمة، فإذا بلغت سبعين إلى الثمانين فهي العكرة، فإذا بلغت مائة فهي هنيدة بلا ألف ولا لام، فإذا بلغت السبع مائة إلى الأف فهي العرج، والبرك إبل الحيّ. - وقال: إنما سُميّ مُضَرُ مضرَ لشدة بياضه، ومنه المضيرة لبياضها.
وقال: في الحمار عشرة أمثال: الجحش لمَّا بذَّك الأعيارُ؛ وأنكحت الفراء فسترى؛ وكلُّ الصيد في جوف الفراء؛ ومن ينك الفراء ينك نياكاً؛ والعير أوقى لدمه؛ وأصبر من عير أبي سيارة، وذلك أنه دفع بالناس أربعين سنة بعرفات؛ وأخرب من جوف حمار؛ والعيرُ يضرط والمكواة في النار؛ وإن ذهب عيرٌ فعيرُ في الرباط. وقال المتلمس في أذلَّ من الحمار والوتد " من البسيط ":