ولم يقل شعر قكٌ مثل هذه الثلاثة المعاني في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي قول كعب بن زهير " من البسيط ":
تحمله الناقةُ الأدماءُ معتجراً ... بالبرد كالبدر جلَّي ليلةَ الظُلمِ
وفي عطافيه أو أثناء ريطته ... ما يعلم الله من دينٍ ومن كرم
وأجود بيتٍ في الغيث بيت الهذُليّ " من الطويل ":
لتُلقحه ريحُ الجنوب وتقبل ... الشمالُ نتاجاً والصبا حالبٌ يمري
قال: وقال الكميت " من المتقارب ":
مرته الجنوب فلما ... أكفهرَّ حلَّت عزاليه الشمألُ
قال: وأحسن ما قيل في وصف جيشٍ قولُ العجَّاج " من الرجز ":
كأنما زهاؤه لمن جهر ... ليلٌ ورزُّ وغره إذا وغر
سارٍ سرى من قبل العين فجرّ ... عيطّ السحاب والمرابيعَ الكُبَرْ
وأحسن ما قيل في وصف الإبل قولُ عمر بن لجاءٍ " من الرجز ":
أنعتها إني من نعاتها ... مندحَّةَ السُراتِ وادقاتها
أي عظيمة الجوف منبسطته دانيةٌ من الأرض،
مكفوفة الأخفاف محمراتها ... سابغةَ الأذناب ذيَّالاتها
يريد: أخفافها ليست بمنكسرة كأنها مكفوفةٌ بكفافٍ،
طَوَتْ ليومِ الخمس أسقياتها ... غابر ما فيها على بُلاَّتها
أي طَوَتِ البقية على البلات، واطو باقي سقاءك على بلله! أي وفيه بلل لا تطوه على يبسٍ فينكسر وهذا مثلٌ،
وافقت الشمسَ بجمجماتها ... تمشي إلى رواءٍ عاطناتها
تجبس العانس في ريطاتها ... بالأجرع السهل إلى جاراتها
التجبُّس التميدُ والتميس، يقول: تمشي إلى الرواء التي رويت قبلها كما تمشي هذه المرأة العانس،
كأنما نُطَّت إلى ضَرَّاتها ... مِن نخر الطلح مجوفاتها
قال: ولا أعرف للعرب من صفة القطا كقول المَرذَار " من الطويل ":
بلادٌ مروراةٌ يحارُ بها القطا ... ترى الرأل في حافاتها يتحدقُ
يظلّ بها فرخُ القطاةِ كأنه ... يتيمُ جفا عنه مواليه مُطرّقُ
مروراة كلّ أرض لاتنبت مثل العزاز، والرأل فرخ النعام. - قال: وأجودُ ما قال الشعراء قول القيس في الطيب " من الطويل ":
ألم ترياني كلما جئت طارقاً ... وجدتُ بها طيباً وإن لم تطيَّبِ
قال: ولم أسمع وصف الطعنة بمثل هذا " تشهق " و " تهرُّ " كقول أوس بن حجر " من المتقارب ":
وفي صدره مثل جيب العرو ... سِ تشهقُ حيناً وحيناً تهرّ
" جيب العروس " أراد: الصبغ بالدم، و " تشهق " أراد: إذا ردّ صاحبها نفسه تصعَّد الدمُ، فسمعت لها شهيقاً، وإذا تنفس أسرع الدمُ إلى موضعها فاحتبس على فمِ الجُرح، فسمعت له مثلَ الهرير. وقال: ثمّ بعد ذلك قولُ زياد الأعجم في مرثية المغيرة بن المهلب " من الكامل ":
ومُدَّجج كره الكماة نزالهُ ... شاكي السلاح مسايفٍ أو رامح
سبقت يداك له الحتوف بطعنة ... شهقتْ لمنفذها أصولُ جوانح
قال: وأحسن ما قيل في وصف عمود الصبح قول ذي الرُمَّة " من الطويل ":
كأن عمودُ الصبح جيدٌ ولبَّةٌ ... وراء الدُجى من حُرّة اللون حاسِرُ
شبَّه بياض الصبح في الحمرة بعنق امرأة ولبتها، وقوله " وراء الدُجى " أي بعد ما ذهب الدجى. - قال: وأحسن ما قيل في الغيرة قول مسكين الدارمي:
ألا أيها الغائرُ المستشيطُ ... علامَ تغار إذا لم تغرْ
فما خير عرس إذا خفتها ... وما خير بيتٍ إذا لم يُزرْ
تغارُ على الناس أن ينظروا ... وهل يفتن الصالحات النظرْ
فإني سأخلي لها بيتها ... فتحفظ في نفسها أو تذرْ
إن الله لم يُعطه زُدَّها ... فلن يعطي الوُدَّ سوطٌ ممر
يكاد يقطع أضلاعه ... إذا ما رأى زائراً أو نفر
فمن ذا يراعي له عرسه ... إذا ضرَّه والمطيَّ السفر
قال: وكان الأصمعي كثيراً يردد هذين البيتين في العشق " من الطويل ":
سقى اللهُ أياماً لنا لسنَ رُّجعا ... وسقيا لعصر العامرية من عصر
ليالي أعطيت البطالة مقودي ... تمرُّ الليالي والشهورُ ولا أدري