للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا يقيم بدار ليس يعرفها ... إلا الأذلاَّنِ عير الأهل والوتدُ

وقال الرياشي: ألقى الأصمعي علينا قول بعض الشعراء " من الطويل ":

أحِبُّ من النسوان كُلَّ قصيرةٍ ... لها نسبٌ في الصالحين قصيرُ

ثمّ قال: سلوا! فسألنا فلم نجد أحداً يقف عليه، فقال: أما قوله: " أحب من النسوان كلَّ قصيرة " فكأنه قال: أُحب أن أتزوج امرأة، إذا سألتُ عنها قيل: حسبك بها فضلاً وديناً وعقلاً وجمالاً، فقد كُفيت أن أسأل عن حالها، فإذا سألتُ عن أبيها قيل: به رجلاً صالحاً ديّناً: وأنشد الأصمعي " من الطويل ":

أحبُ من النسوان كلَّ طويلةٍ ... لها نسبٌ في الصالحين طويلُ

وقال: هذه المرأة ليست في شهرة تلك الأولى، هذه أحتاج أني أسأل الناس عنها وعن جمالها ودينها وأسأل عن آبائها حتى أعرف من هم مثل معرفتي تلك.

قال: وقد جاء في الحديث: نهى عن جداد النخل بالليل أي صرامه قال: والحال الحمأةُ، وفي الحديث: إن جبريل عليه السلام لمَّا دعا فرعون عند الغرق أخذ من حال البحر فأدخله في فيه.

وسأل حضري بدوياً: هل عندكم مايرعى؟ فقال البدوي هازئاً به: نعم عندنا مقمل ومدبٌ وباقل وحانط وثامر ووراس! وإنما عني بهذا كله الرمث، وذلك أن الرمث أول ما يتفطر بالنبت يقال: قد أقمل، فإذا زاد على التفطر شيئاً قيل: قد أدبي، ثمّ هو الباقل، ثمّ هو الحانط أي المدرك، وكلُّ مدركٍ يقال له: حانط ويقال: حنط ابنك فزوجه! وهو يحنط حنوطا، والثامر الذي قد خرج ثمره، والوارس الذي قد أصفر وكاد يتحاتُ ويتساقط، وقد أورس الشجر إذا دخلته صفرة. - قال: وكلُّ نبتٌ مالحٍ فهو الحمض نحو الرمث والعضاه والطرفاء والخذراف، فأما الرُغْل والقلام والبرم والطحماء والدرماء والنجيل والسعدان فالخلة، والخلة خبز الإبل والحمض لحمها.

وسئل عن قول عليّ عليه السلام: أشكو إليك عجري وبجري، فقال: همومي وأحزاني. - وقال في قوله: دمُ عفراء أفضل من دم سوداء عند الله، العفراء البيضاء وهي المبيضة البطن من الشحم والسمن، والسوداء التي بطنها أسود فليس فيه شحم.

قال: وكان شيخٌ من الكتاب يجالسنا عند أبي عمرو بن العلاء فنظر إلى رجلٍ قد جاء خطُّه، فقال: قد ضاع خطُّك وارتفع! أي ظهر وجاد، ومنه قول الشاعر " من الطويل ":

تضوَّع مسكاً بطنُ نعمان أن مشت ... به زينبٌ في نسوةٍ عطراتِ

يُخمرن أطراف البنان من التقى ... ويرقدن جنح الليل معتجرات

قال: والعارض في قول جرير " من الوافر ":

أتذكر يوم تصقلُ عارضيها ... بعودٍ بشامةٍ سُقي البشام

هو السن الذي يلي الناب. قال: ويقالُ لأعمال مكة والمدينة العروض، والأعراض القرى واحدتها عرضٌ؛ والعرض بسكون الراء المال الذي ليس بنقد، وبتحريك الراء المال كله؛ وعلق فلان فلانة عرضاً أي من غير تعمد. - وقال: النهار فرخ الحباري، والبقرة العيال الكثير، يقال: جاء فلان يجرُ بقرة أي عيالاً. - ومرَّ فلان يتساوك أي مرّ يتثنى في عطفيه، ومن ثمَّ سميَّ المسواك مسواكا لتردده في جانبي الفم. - وتقول العرب عند الوجع: حس! معناه: وه! وحسسته قتلته، قال الله تعالى: (إذ تحُسُّونهم بإذنه) . - والتزوير إصلاح الكلام، ومنه قول عمر يوم سقيفة بني ساعدة: كنت زوَّرت في صدري مقالةً أقوم بها بين يدي أبي بكر، فجاء أبو بكر فما ترك شيئاً مما كنتُ زورته إلا تكلم به. - قال: واسم دجلة دغليثا، فأعربوها فقالوا: دجلة. - وعمل العراق من هيت إلى الصين والهند والسند، ثمّ هكذا إلى الريّ وخراسان إلى الديلم والجبال كلها وطبرستان. وقال: إصبهان سُرَّة العراق فتحها أبو موسى؛ والجزيرة ما بين دجلة والفرات والموصل.

قال الأصمعي: كان أبو فرعون الساسي سائلا بالبصرة، وكنتُ أسمع أبا عمرو بن العلاء يذكر فصاحته ويقول: إنه أفصح أهل البلد، وكان مياسير أهل البصرة يعرضون عليه الكفاية، فيأبى إلا المسألة. قال الأصمعي: فمكثتُ حولاً أطلبه لاأقدر عليه لشغله مع أهل البصرة بالشراب وغيره، فغدوت يوماً مع الأخفش الأكبر أبي الخطاب، نأتي قوماً من الأعراب اقتحمتهم السنة، فبيننا نحن في بعض سكك البصرة إذا نحن بشيخٍ قصير عظيم الهامة كث اللحية وفي يده زبيل وهو يقول " من الرجز ":

لقد غدوتُ خلقَ الثيابِ ... معلقَ الزبيل والجراب

<<  <   >  >>