أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] نَزَلَ بَعْدَ قَوْله تَعَالَى: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] ، إنَّمَا (هُوَ) إخْبَارٌ عَنْ عِلْمِهِ بِتَارِيخِ نُزُولِ السُّورَتَيْنِ، وَمَعْنَى الْمُبَاهَلَةِ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ، وَرَاجِعٌ إلَى عِلْمِهِ دُونَ غَيْرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَوْ قُلْت غَيْرَ هَذَا لَرَأَيْت أَنَّك لَمْ تُصِبْ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّك لَمْ تُصِبْ عِنْدِي حَقِيقَةَ النَّظِيرِ، الَّذِي هُوَ الْأَشْبَهُ عِنْدِي، عَلَى النَّحْوِ الَّذِي قُلْنَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ فِي فُتْيَاهُ: لَوْ قُلْتُ غَيْرَ هَذَا لَأَوْجَعْتُكَ، فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ نَهْيَهُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْفُتْيَا وَالتَّسَرُّعِ فِي الْجَوَابِ، إذْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمْ الْإِقْدَامُ عَلَى مَا يَسْأَلُ عَنْهُ، مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ مِنْهُ إلَى إمَامِهِ، أَوْ إلَى مُشَاوَرَةِ قَوْمٍ مِنْ ذَوِي الْفِقْهِ.
سُؤَالٌ: - وَمِمَّا يَسْأَلُ أَيْضًا: مِنْ أَيْنَ هَذَا الْمَذْهَبُ؟ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ يُؤَدِّي إلَى تَضَادِّ الْأَحْكَامِ وَتَنَافِيهَا، وَإِلَى مَا يَسْتَحِيلُ وُرُودُ الْعِبَارَةِ بِهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَفْتِيَ إذَا سَأَلَ أَحَدَ الْمُجْتَهِدِينَ عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَجَابَهُ بِوُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ. وَسُئِلَ آخَرُ: فَأَجَابَهُ فِيهَا بِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ، وَمَعْلُومٌ: أَنَّ عَلَيْهِ الْمَصِيرَ إلَى قَوْلِ الْمُفْتِينَ، فَيُوجِبُ هَذَا عَلَيْهِ اعْتِقَادَ التَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ جَمِيعًا فِي حَالٍ وَاحِدٍ، فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَأَنْ يَكُونَا جَمِيعًا حُكْمًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَلْزَمُونَ عَلَى ذَلِكَ تَجْوِيزَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّيْنِ، فَيَأْمُرَ أَحَدَهُمَا بِإِيجَابِ حَظْرِ الْمَرْأَةِ وَتَحْرِيمِهَا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ، وَيَأْمُرَ الْآخَرَ بِإِبَاحَتِهَا لَهُ بِعَيْنِهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَيَكُونُ فَرْجٌ وَاحِدٌ مَحْظُورًا مُبَاحًا، عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ فِي نَبِيَّيْنِ يَأْمُرَانِهِ بِذَلِكَ، لَجَازَ أَنْ يَأْمُرَ نَبِيٌّ وَاحِدٌ، بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: هَذَا مَحْظُورٌ عَلَيْك، وَمُبَاحٌ لَك فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا عَيْنُ الْمُحَالِ، يَمْتَنِعُ وُجُودُ مِثْلِهِ فِي أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالُوا: وَيُوجِبُ تَجْوِيزَ مَا ذَكَرْنَا فِي النَّبِيَّيْنِ: أَنْ يَكُونَ إنْ أَخَذَ بِقَوْلِ أَحَدِهِمَا مُخَالِفًا لِلْآخَرِ فَقَدْ أُبِيحَ لَهُ إذًا مُخَالَفَةُ أَمْرِ أَحَدِ النَّبِيَّيْنِ. قَالُوا: وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ الْمُجْتَهِدُ لَوْ وَقَعَ لَهُ دَلِيلُ الْحَظْرِ وَدَلِيلُ الْإِبَاحَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute