للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا امْتِنَاعُ عُمَرَ مِنْ أَنْ يَكْتُبَ: هَذَا مَا أَرَى اللَّهُ عُمَرَ، فَإِنَّمَا كَانَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَفْظٌ ظَاهِرٌ، يُوهِمُ أَنَّهُ (قَالَ) مِنْ طَرِيقِ النَّصِّ، إذْ كَانَ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِيه. كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: ١٠٥] {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ} [النساء: ١٠٦] وَمُرَادُهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -: مَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَأُوحِيَ بِهِ إلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَلَا يَتَّقِ اللَّهَ زَيْدٌ؟ وَقَوْلُهُ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْته: أَنَّ الْجَدَّ أَبٌ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرُوا. وَذَلِكَ: أَنَّهُ كَانَ يَقْتَضِي أَنَّ مُخَالِفَهُ فِي الْجَدِّ، تَارِكٌ (لِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى) ، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا يُطْلِقُ ذَلِكَ فِيمَنْ يُخَالِفُ فِي الْجَدِّ مَذْهَبَ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْته، لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ: إنَّ مَنْ خَالَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي الْجَدِّ اسْتَحَقَّ اللَّعْنَ، وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَائِلِ الْفُتْيَا، إلَّا قَوْمًا خَارِجِينَ عَنْ نِطَاقِ الْإِجْمَاعِ. وَظَاهِرُ ذَلِكَ عِنْدَنَا: مِنْ قَوْلِهِ: إنْ أَخْبَرَ عَنْ اسْتِبْصَارِهِ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّ الْجَدَّ أَبٌ، فَإِنَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ مُصِيبٌ - فِي الْحَقِيقَةِ - النَّظِيرَ، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ - إعْلَامًا مِنْهُ لِلسَّامِعِينَ - بِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ فِيهِ، وَلَا نَاظِرٍ.

وَلَوْ بَاهَلَ لَكَانَتْ مُبَاهَلَتُهُ مُنْصَرِفَةً إلَى أَنَّ هَذَا عِنْدِي كَذَا، وَهَذَا جَائِزٌ فِيهِ الْمُبَاهَلَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. (فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى مُخَالِفِيهِ فِي ذَلِكَ مُخْطِئِينَ لِلْحُكْمِ الَّذِي تَعَبَّدُوا بِهِ) . وَكَذَلِكَ: مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْته، أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>