للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمِيعًا، وَلَمْ يَبِنْ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَهُ مِنْ الْآخَرِ بِضَرْبٍ مِنْ الرُّجْحَانِ: أَنْ يَعْتَقِدَ الْحَظْرَ وَالْإِبَاحَةَ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ. فَلَمَّا اسْتَحَالَ ذَلِكَ، عَلِمْنَا أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدٌ (مِنْهُمَا) ، وَأَنَّ أَحَدَ الْمُجْتَهِدِينَ مُخْطِئٌ لَا مَحَالَةَ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَّا قَوْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا جَمَاعَةَ أَقَاوِيلَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا خَطَأً، وَالصَّوَابُ فِي قَوْلٍ ثَالِثٍ غَيْرِهَا.

الْجَوَابُ: أَنَّ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرَهُ هَذَا السَّائِلُ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْقَائِلِينَ بِالِاجْتِهَادِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَإِنَّمَا غَلِطَ السَّائِلُ عَلَى مَذْهَبِ الْقَوْمِ، فَظَنَّ فِيهِ شَيْئًا صَادَفَ ظَنَّهُ غَيْرَ حَقِيقَةِ الْمَذْهَبِ، فَأَخْطَأَ عَلَيْهِمْ فِي الْإِلْزَامِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمْ أَنَّ كُلَّ مُفْتٍ أَفْتَى بِشَيْءٍ طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَفْتِي اتِّبَاعَ فُتْيَاهُ وَمَذْهَبِهِ، فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ: إذَا تَسَاوَى عِنْدَك حَالُ الْفَقِيهَيْنِ، فَأَنْتَ مُخَيَّرٌ فِي قَبُولِ فُتْيَايَ أَوْ تَرْكِهَا، وَقَبُولِ فُتْيَا غَيْرِي، فَإِنْ أَخَذْتَ بِقَوْلِي، وَاخْتَرْتُهُ فَعَلَيْكَ فِيهِ كَيْتَ وَكَيْتَ. وَإِنْ اخْتَرْت قَبُولَ قَوْلِ غَيْرِي - مِمَّنْ يَقُولُ بِضِدِّ مَذْهَبِي - لَمْ يَلْزَمْكَ اتِّبَاعُ قَوْلِي، وَكَانَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْكَ مَا أَفْتَاكَ بِهِ دُونَ فُتْيَايَ. فَإِذَا أَفْتَاهُ الْمُفْتِيَانِ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ، فَإِنْ يُصْدَرْ فُتْيَا (كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ قَائِلِهَا عَلَى هَذِهِ الشَّرِيطَةِ، فَيَكُونُ الْمُسْتَفْتِي مُخَيَّرًا بَيْنَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَأَيَّهُمَا اخْتَارَهُ كَانَ ذَلِكَ حُكْمَهُ الَّذِي عَلَيْهِ، دُونَ غَيْرِهِ، وَيَكُونُ الْوَطْءُ الَّذِي يُجَامِعُ قَبُولَهُ مِنْ الْحَاظِرِ مِنْهُمَا، غَيْرُ الْوَطْءِ الَّذِي يُجَامِعُ قَبُولَهُ مِنْ الْمُبِيحِ، إذَا أَفْتَاهُ أَحَدُهُمَا بِحَظْرِ وَطْءِ الْمَرْأَةِ، وَأَفْتَاهُ الْآخَرُ بِإِبَاحَتِهِ، فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ مُتَعَلِّقًا بِمَعْنًى غَيْرِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْآخَرُ، وَهَذَا يَجُوزُ وُرُودُ النَّصِّ بِهِ. وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي النَّبِيَّيْنِ: جَائِزٌ أَنْ يَبْعَثَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: أَحَدُهُمَا بِحَظْرِ شَيْءٍ، وَالْآخَرُ بِإِبَاحَتِهِ، عَلَى شَرِيطَةِ أَنَّ الْمَأْمُورَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْتِزَامِ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ، وَلَا يَقُولُ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّبِيَّيْنِ: إنَّ هَذَا الشَّيْءَ مَحْظُورٌ عَلَيْك حَظْرًا بَاتًّا، بَلْ يَقُولُ لَهُ: إنْ اخْتَرْتَ الْمَصِيرَ إلَى هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>