الْجَوَابُ: إنَّ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ: وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ: إنَّمَا هُوَ إشْفَاقٌ (مِنْهُمَا) أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ آرَائِهِمَا، وَقَدْ كَانُوا يَعْرِضُونَ آرَاءَهُمْ عَلَى الصَّحَابَةِ لِيَنْظُرُوا، هَلْ فِيمَا اجْتَهَدُوا فِيهِ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْحَاضِرِينَ؟ (فَأَخْبَرَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ) هُنَاكَ قَوْلٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ رَأْيِهِمَا، فَاسْتِعْمَالهمَا لِلرَّأْيِ فِي هَذِهِ الْحَالِ خَطَأٌ، مِنْهُمَا وَمِنْ الشَّيْطَانِ، لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لِلرَّأْيِ مَعَ السُّنَّةِ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا جَاءَتْ الْجَدَّةُ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، تَسْأَلُهُ عَنْ مِيرَاثِهَا، قَالَ: (مَا أَجِدُ لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا، وَسَأَلَ النَّاسَ، فَلَمَّا سَأَلَ أُخْبِرَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمَةً فِي مِيرَاثِهَا) فَأَشْفَقَ حِينَ رَأَى فِي الْكَلَالَةِ مَا رَأَى، أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ سُنَّةٌ بِخِلَافِ رَأْيِهِ. وَيُبَيِّنُ لَك هَذَا: قَوْلُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: (أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، إذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَا أَعْلَمُ) فَاسْتَعْظَمَ أَنْ يَقُولَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَا يَعْلَمُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْكَلَالَةِ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، لَمْ يَكُنْ قَوْلًا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَا يَعْلَمُ، وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ عِنْدَهُ: أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ هُوَ مَا حَصَلَ عَلَيْهِ رَأْيُهُ وَاجْتِهَادُهُ، مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَصٌّ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِخِلَافِهِ) . وَأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ: إنَّهُمْ أَخْطَئُوا حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنَّهُمْ أَخْطَئُوا حَقِيقَةَ النَّظِيرِ عِنْدِي، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ الَّذِي لَمْ يُكَلَّفُوا إصَابَتَهُ، وَعَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّمَا يَرْوِيه الْحَسَنُ، وَالْحَسَنُ لَمْ يُشَاهِدْ (هَذِهِ) الْقِصَّةَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا أَدْرِي أَصَبْت أَمْ أَخْطَأْت؟ هُوَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: لَا أَدْرَى أَصَبْتُ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا؟ وَمَعْنَاهُ عِنْدَنَا: أَنَّهُ لَا يَدْرِي أَصَابَ الْأَشْبَهَ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ، أَمْ لَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute