وكان الوقشي رحمه الله قد هذب " المؤتلف والمختلف في أسماء القبائل " لابن حبيب البغدادي.
[الكاتب الأديب]
كان الوقشي رحمه الله كاتبا كبيرا أديبا نابغة بليغا مجيدا، وكان أعلم الناس بالنحو واللغة. إماما متقدما فيهما، وكان له قدما راسخة في صناعة الكتابة والبلاغة. ولم لا يكون، وقد كان العصر الذي نشأ فيه وترعرع، عصر تقدم العلوم الأدبية وازدهارها، وكانت أسواق الأدب والكتابة نافقة في كل عاصمة من عواصم ملوك الطوائف، ومما يدل على مكتنة الوقشي كأديب كاتب، هو أنه قد ذكر في الإرشاد بين الأدباء والكتاب، حيث جاء " إنه كان كاتبا أديبا متوسعا في ضروب المعارف وأنواع الآداب.
وكتابه " المنتخب من غريب كلام العرب " الذي يبحث عن الأدب وغربية اللغة، شاهد عدل على مكانة الوقشي كأديب كاتب، وقد وصل إلينا منه الجزء الأول في شكل نسخة مصورة بالتصوير الشمسي وسنعرف به القراء الكرام فيما يلي من الصفحات.
[الشاعر]
وللوقشي حظ وافر من الشعر، فقد كان من أعلم الناس بمعاني الشعر كما أنه كان شاعرا بليغا مجيدا، ولم لا يكون وقد وهبه الله طبعا سخيا وذهبا خصبا، وفطرا عميقا، وشعورا نبيلا، وقلبا خفاقا، وكان إلى ذلك ظريفا خبيرا عالما بدقائق اللغة وغوامضها وطرائف الأدب ونفائسه، وكل ذلك مسما يمكن الإنسان ويؤهله أن يقول الشعر ويعرفه معرفة جيدة ويميز جيده من ردئيه.
ويحدثنا ابن الأبار أن أبا بكر محمد بن سعد الداني، كان قد اختار مجموعة من الشعر الأندلسي وسماها وسماها التذكرة السعدية وكان فيما اختار قصيدة للوقشي، وأغلب الظن أنها يقصيدة التي بكى فيها مصاب بلنسبة أيام حصار القمبيطور لها، وذلك لأن الوقشي كان حديث العهد بهذا المصاب، وقصيدته التي قالها فيه أنشدها لأبي بكر محمد بن سعد الداني عقب وروده بدانية، وقبيل وفاته بها فاختاره لمجموعته الشعرية.
ويبدو أنه كان قد صنع ديوانا من شعره، تداوله الناس، وأخذوه عنه ورووه فان ابن الأبار يحدثنا أيضا أن أبا العاصي الحكم بن محمد الأنصاري المتوفي ٥٧٩هـ كان يروى شعر الوقشي وقد اخذ عنه الناس شعره منهم أبو عمر بن عباد يوسف بن عبد الله المؤرخ البلنسي المتوفي سنة ٥٧٥هـ.
وإنه لمما يؤسفنا ويؤلمنا أن شعر ابي الوليد، قد ضاع وذهب به الغداة وكرا العشي، ولم يبقى منه إلا نزر يسير في كتب التراجم والتاريخ، فمن ذلك قوله " الخفيف "
عجبا للمدام ما إذ استعارت ... من سجايا معذبي وصفاته
طيب أنفاسه وطعم ثنايا ... هـ وسكر العقول من لحظاته
وسنى وجهه وتوريد خديه ... ولطف الديباج من بشراته
والتداوي منها كالتداوي ... برضى من هويت من سطواته
وهي من بعد إذا على حرام ... مثل تحريمه جنى ورشقاته
وهو القائل: " السريع "
وفاره يركبه فاره ... مربنا في يده صعده
سنانها مشتمل لحظه ... وفدها منتحل فده
يزحف للنساك في جحفل ... من حسنه وهو يرى وحده
قلت لنفسي حين مدات لها ... الآمال ةالآمال ممتدة
لا تطمعي فيه كما الشمس لا ... يطمع في تدنيه حده
وهو يقول في علوم الورى: " السريع "
برح بي أن علوم الورى ... اثنان ما أن فيهما من مزيد
حقيقة يعجز تحصيلها ... وباطل تحصيله لا يفيد
وهو القائل فيمن طرشاربه " لكامل "
قد بيتن فيه الطبيعة أنها ... لبديع أفعال المهندس ماهره
عنيت بمبسمه فخطت فوقه ... بالمسك خطا من محيط الدائره
وكان رحمه الله عزم على ركوب البحر إلى الحجاز حاجا فهاله ذلك فقال: " السريع "
لا أركب البحر ولو أنني ... ضربت بالعصا فانفلق
ما إن رأت عيني أمواجه ... في فرق إلا تناهي الفرق
الفيلسوف المهندس