للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على مذهبِهم: "مِن العجبِ العجيبِ أنَّ الفقهاءَ المقلِّدين يقفُ أحدُهم على ضعفِ مأخذِ إمامِه، بحيثُ لا يجدُ لضعفِه مدفعًا، وهو مع ذلك يقلِّده فيه، ويتركُ مَنْ شَهِدَ الكتابُ والسنةُ والأقيسةُ الصحيحةُ لمذهبِه؛ جمودًا على تقليدِ إمامِه ... وقد رأيناهم يجتمعون في المجالسِ، فإذا ذُكِرَ لأحدِهم خلافُ ما وطَّن نفسَه عليه، تعجّبَ منه غايةَ العجبِ، مِنْ غيرِ استرواحٍ إلى دليلٍ، بلْ لما أَلِفَه مِنْ تقليدِ إمامِه" (١).

ويحكي أبو شامةَ المقدسي عن حالِ بعضِ الشافعيةِ بعد التفاتِهم إلى مؤلفاتِ أبي إسحاق الشيرازي، وأبي حامد الغزالي، فيقول: "كَثُرَ المتعصبون لهما، حتى صار المتبحّر المرتفعُ عند نفسِه يرى أنَّ نصوصَهما كنصوصِ الكتابِ والسنةِ" (٢).

وَيرَى بعضُ المتمذهبين أنَّ كلَّ ما في مذهبِهم مِن الأقوالِ والأصولِ صوابٌ، وأن ما خالفه خطأٌ (٣)، وأدَّى هذا الأمرُ إلى ركونِ كلِّ أرباب مذهبٍ إلى مذهبِهم، دون تفكيرٍ في تركِ ما في مذهبِهم مِنْ أقوالٍ.

ويلحقُ بهذا اللون مِن التعصّبِ: ما يصنعه بعضُ المتمذهبين بالاختلافِ في استعمالِ القواعدِ الأصوليةِ بناءً على ما فيها مِن الأقوالِ، فإن كانت القاعدةُ الأصوليةُ بناءً على أحدِ الأقوالِ فيها تخدمُ مذهبَهم أخذوا بها، وإنْ كانت القاعدةُ نفسُها تخدمُ المذهبَ بناءً على قولٍ آخر فيها أخذوا بها على القولِ الآخرِ وخالفوا ما صنعوه أولًا.

يقولُ ابنُ القيّم في هذا الصددِ: "وممَّا يُقضى منه العجب: أنَّهم - أي: بعض الفقهاء - إذا رأوا الروايةَ عن صاحبٍ مِنْ أصحابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أو غيرِه بخلافِ ما روى توافقُ قولَ مَنْ قلّدوه، قالوا: ما كانَ ليتركَ ما روى


(١) القواعد الكبرى (٢/ ٢٧٤ - ٢٧٥).
(٢) خطبة الكتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول (ص/ ١٤٠).
(٣) انظر: إمام الكلام للكنوي (ص/ ٣٦)، وتأريخ التشريع للدكتور عبد الله الطريقي (ص/ ٣٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>