أولًا: أنَّ القولين: الأول والثاني وجيهانِ؛ إذ أَخْذُ حُكْم المسألةِ مِنْ أصولِ المذهبِ أو مِنْ فروعِه، أقربُ طريقٍ إلى الوصولِ إلى حُكْمٍ قريبٍ مِنْ أحكامِ إمامِ المذهبِ.
ثانيًا: في القولين: الأول والثاني اجتهادٌ مقيَّدٌ مِنْ المتمذهبِ للوصولِ إلى الحُكْمِ، وهذا خيرٌ مِنْ تخريجِ قولين مِنْ توقّفِ الإمامِ دونَ نظرٍ وتأمّلٍ.
ثالثًا: إنْ كان المتمذهبُ أهلًا للتخريجِ على أصولِ إمامِه، أو على نصوصه، فله أَخْذُ الحكمِ مِنْ أحدِ هذينِ الطريقينِ، وإنْ كان عملُ كثيرٍ مِن الفقهاءِ على التخريجِ على نصوصِ الإمام.
رابعًا: إنْ لم يكن المتمذهبُ أهلًا للتخريجِ، أو لم يتمكن منه؛ لسببٍ مِن الأسباب، فله أَخْذُ الحُكْمِ اعتمادًا على ما يقرره محققو المذهبِ في تخريج حُكْمِ المسألةِ، وله تقليدُ غيرِ إمامِه مِنْ أئمةِ المذاهب الأخرى، إنْ اطمأنَّ إلى قولِه.
خامسًا: يُطَبّقُ على مَنْ أرادَ إلحاقَ المسألةِ بما يشبهها ما ذكرتُه في مسألةِ: (القياس على أقوال الإمام)، فإنَّ نصَّ الإمامُ على العلّةِ جازَ الإلحاقُ، وإنْ لم ينصَّ عليها جازُ الإلحاقُ، بشرطِ: نسبةِ القولِ إليه مقيَّدًا.
سادسًا: يظهرُ أنَّ أتباعَ المذاهب في الجملةِ لا يتوقفون عند توقّفِ إمامِهم، بلْ يخرِّجون حُكْمَ المسائل الَتي توقّف فيها، وقد تقدّمَ قبل قليل كلامُ تقي الدين بنِ تيمية.
سابعًا: لعلَّ السببَ في عدمِ ذكرِ بعضِ المذاهب حُكْمَ مسألةِ: (عمل المتمذهب فيما توقف فيه إمامُه)، أنَّهم قرروا طُرُقًا لمعرفةِ قولِ الإمامِ، كفعلِه أو القياس على قولِه والتخريج على أصلِه، بحيثُ لا يقع المتمذهبُ في حالة يُعْوِزُه فيها معرفة حكمِ المسألةِ داخل مدرسة مذهبِه.
ثامنًا: محلُّ الكلام فيما سبق في غيرِ المتمذهب الذي بلغ درجةَ الاجتهادِ، والمتمذهب الذي تحقق له وصفُ الاجتهادِ الجزئي في المسألةِ التي توقف فيها إمامُه؛ لانتفاءِ أثرِ توقّفِ إمامِهما فيما يرجحانِه مِنْ أقوال.