للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحدثَ العلماءُ عن هذه المسألةِ بإسهابٍ، وفصَّلوا القولَ فيها، وأرى قبلَ الحديثِ عنها الإشارة إلى النقاطِ الآتيةِ:

الأولى: محلُّ الحديثِ في هذا المطلبِ عن الترجيحِ (١) بين أقوالِ إمام المذهبِ إذا تعددتْ في مسألةٍ واحدةٍ فقط، أمَّا إذا تعددت أقوالُه في مسأَلتين، فلا يدخلُ في حديثي هنا، إلا إنْ انتفى الفرقُ بين المسألتين (٢)؛ لأنَّهما تصيرانِ كالمسألةِ الواحدةِ.

الثانية: لا بُدَّ مِنْ ثبوتِ صحةِ القولين أو الأقوال عن إمامِ المذهبِ (٣)، فإنْ لم يثبتْ القولُ فإنَّه لا يقوى على مزاحمةِ الثابتِ.

الثالثة: قد يَرِدُ عن إمامِ المذهبِ قولانِ مختلفانِ في وقتينِ، وَيردُّ المحققون مِنْ أصحابِه أحدَهما (٤)؛ لعلةٍ مِن العللِ، ومِثْلُ هذا لا يدخلُ في حديثي.

الرابعة: يستوي في الحديثِ في هذا المطلبِ ما إذا وَرَدَ عن إمامِ المذهبِ قولانِ متنافيانِ، أو وَرَدَتْ عنه أقوالٌ متنافيةٌ، فالتعبيرُ بالقولينِ عند مَنْ يُعبّرُ به ليس مقصودًا، وإنَّما هو مِنْ باب التمثيلِ، ولعل مردّ غلبة التعبيرِ بالقولين إلى أنَّ وقوعَ التعارضِ بين القولينَ أكثرُ مِنْ وقوعِه بين الأقوالِ.


(١) الترجيح في اللغة: مصدر من الفعل رجَّح، يقال: رَجَّحَ يُرَجِّحُ تَرْجِيْحًا، ومعنى الترجيح: التمييل والتثقيل. انظر: القاموس المحيط، مادة: (رجح)، (ص/ ٢٧٩).
وفي الاصطلاح: عرفه الرازي في: المحصول في علم أصول الفقه (٥/ ٣٩٧) بـ"تقوية أحد الطريقين على الآخر؛ ليعلم الأقوى، فيعمل به، ويطرح الآخر". وانظر: البحر المحيط (٦/ ١٣٠).
(٢) انظر: المعتمد (٢/ ٨٦٣)، والوصول إلى الأصول لابن برهان (٢/ ٣٥٥)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (٤/ ٢٠٢)، ومختصر منتهى السول لابن الحاجب (٢/ ١٢٢٨)، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام (٢٩/ ٤٠)، وشرح العضد على مختصر ابن الحاجب (٢/ ٢٩٩)، ورفع الحاجب (٤/ ٥٥٩)، وفواتح الرحموت (٢/ ٣٩٤).
(٣) انظر: التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (٤/ ٣٧٠)، وابن حنبل - حياته وعصره لمحمد أبو زهرة (ص/ ١٧٦).
(٤) انظر: الفروسية المحمدية لابن القيم (ص/ ٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>