قال الحصني: لكونه من الظلمة أو أعوانهم، أو كونه قاضي الظلمة أو أعوانه، ونحو ذلك، وأن لا يطمع في جاهه، أو ليعاونه على باطل، بل ليكون للتقرب والتودد، وفي كون هذا عذار في الامتناع نظر، لمخالفة عموم الحديث. نعم هذا من مصححات النية المحصلة للثواب، ولهذا قال في الأحياء: ينبغي أن يقصد بالإجابة الإقتداء بالسنة، ليكون في أمور الآخرة، ولا يقصد قضاء الشهوة، فيكون من أمور الدنيا، ويقصد الحذر من المعصية المشار إليها في الحديث، ويقصد إكرام أخيه المؤمن بذلك وزيارته، ليكون من المتحابين المتزاورين في الله، وصيانة نفسه عن أن يضن به الامتناع، لتكبر أو سوء ظن، أو احتقار بمشكور، ونحوه.
الشرط الرابع: أن لا يكون هناك من يتأذى به بحضوره، أو لا يليق به مجالسته.
فإن كان كذلك فهو معذور في التخلف. قال الحصني: كان يدعو السفلة وهو ذو شرف، والسفلة هم إسقاط الناس كالسوقة والجلاوزة وهم رسل الظلمة، ورسل قضاة الرشى والقلندرية وفقراء الزوايا الذين يأتون ولائم من دب ودرج من المكتسبة وغيرهم، فإنهم أرذل الأراذل، وكالطلبة الذين يطلبون لغير الله، بل لحب الجاه والمال والترفع على الأقران، فإن كان يأكل من الأوقاف مع هذا القصد فهو أولى، فلا تجب الإجابة لأجله، لأن مأكله حرام قطعاً، فإن كان الوقف خراباً أو المدرسة خراباً فهو أبلغ، وهو الأسوأ حالاً من قطاع الطريق إذ غاية غرض قاطع الطريق سلب مال الحي. وهذا يقطع الطريق على الأحياء والأموات، لأن الطالب منع السكن والمعلوم حرم وصول الثواب إليه. ولذلك إذا حضر أحد من المتصوفة الذين لم يحققوا معرفة طرق القوم وتلبيس النفس الإمارة، فإن هذا لأسوأ حالاً من العصاة كشربة الخمر وغيرهم، لأن أهل المعاصي معترفون ومتوقعون التوبة مع كسر وخوف، وهم لا يرتكبون الضلالة والغرور وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ولا يتوبون ولا يستغفرون، بل ولا يتصور ذلك منهم، لأن من أعتقد أنه في قربة كيف يستغفر منها، بل يطلب المزيد. وهذا المعنى هو الذي سكّت جأش الشياطين لما شكوا من هدم ذنوب بني آدم بالاستغفار إلى إبليس، فقال: زينوا لهم الطاعات وزخرفوها في قلوبهم وقلوب الناظرين إليهم، فإنهم يشركون ولا يشعرون. وهذا عوض عن عبادة الأوثان. قال: هو شيء لا يخفى، ومن ذلك طالب علم يقصد بطلبه معرفة العلم لآجل حفظ الشريعة، فيدعو معه صاحب الدعوة طلبة قد ظهر عليهم طلب العلم لأجل الدنيا والترفع عن الأقران ونحو ذلك، فهذا لا يجب عليه الحضور، وكذلك أمر الصوفي الصادق في سلوكه لا يجب عليه الحضور إذا حضر غيره من صوفية هذا الزمان، الذين يأتون دعوة كل بر وفاجر، ويتعبدون بآلات اللهو والطرب وما أشبه ذلك. قال: وهذه أمور ظاهرة لا تخفى إلا على من لا يعرف القمر انتهى. وقال في الاستقصاء: وإن كان في موضع الوليمة من الأرذال والسفلة الذين تزري مجالستهم بمثله أحتمل أن لا تسقط الإجابة لعموم الخبر، وأحتمل أن تسقط وهو الأظهر، لأنه يتأذى بذلك، والخبر يحمل على ما لا يتأذى فيه في الحضور انتهى.
وأشار في الوسيط للشافعية إلى خلاف في هذا الشرط. والراجح عندهم أنه عذر.
الشرط الخامس أن لا يكون هناك منكر.
لقوله صلى الله عليه وسلم:" من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها الخمر " حسّنه الترمذي، وصححه الحاكم وقال: أنه على شرط مسلم، والنهي يقتضي التحريم.