وثانيها: منع قضية التَّرْجيح، وهو مما سلكه إِمام الحرمين في "الأساليب"، وحاصله: أن الترجيح إِنما يقع بين علّتين صحيحتين تستقلّ كلّ منهما لو انفردت - كما ذكرناه - والمعلل بالطعم - مثلًا - معتقد بطلان ما سواه، ولا ترجيح بين صحيح وفاسد.
قال: و - أيضًا - فإِنا لا نبعد في وضع القياس أن تصحّ علّتان لحكم واحد؛ إِذ الحكم الواحد يجوز أن يعلل بعلل، وإِنما تتناقض العلّتان إِذا تناقض حُكْمَاهما، بأن كانت إِحداهما محرمة، والأخرى مبيحة، فإِذا فرض لحكم واحد علّتان، ولا تناقض بين موجبيهما فكيف يتعارضان؟
ولا يبعد عندنا تعليل حكم واحد بعلّتين، إِحداهما أخيل من الأخرى، وإِن كان ذلك بين العلّتين المتناقضتين يقتضي ترجيحًا.
فإِن قيل: الطعم يقتضي نفي الرِّبا عن الحَصْر، والكيل يقتضي نفي الرِّبا عن السَّفَرْجل.
قلنا: هذا القَدْر تناقض بين العلّتين في العكس، والانعكاس ليس شرطًا في العلل السَّمعية، وإِنما تنعكس العلّة الشرعية إِذا تجرّدت، ولم تنتصب دلالة أخرى سواها في ثبوتها وانتفائها، فيجب أن يثبت الحُكم بثبوتها، وينتفي انتفائها، فإِذا فرضنا علّتين لم يبعد أن تنتفي إِحداهما، وتخلفها الأخرى.
ثم قال: وحاصل الكلام في ذلك أنا لو قَدّرنا ثبوت العلّتين، فلا معنى للتَّرْجيح، فإِنهما يثبتان مع ترجّح إِحداهما، وإِن قدرنا فساد إِحداهما، [فَتَرَجُّح](١) العلة الصحيحة على الفاسدة لَغْو من الكلام لا طائل تحته.
هذا كلامه في "الأساليب"، والحاصل: منع تطلّبهم الترجيح، وادعاء أنهم إِنما بحثوا في إِبطال ما عدا المدعى عليه.
وثالثها: سلّمنا أنه معلل، ولكن جاز أن يجمع القِيَاسيون في أصل على اتِّحَاد العلة