الأول: أن يكون المذكور هو العدد نفسه، كاثنين، وثلاثة وعشرة .... الخ. وأما ذكر المعدود، فلا نزاع في أنه لا مفهوم له، فقوله ﷺ: "أُحِلَّتْ لَنَا مَيتَتَانِ وَدَمَانِ" لا يدل على عدم حل ميتة أخرى، وإِنما كان الخلاف في العدد لا في المعدود؛ لأن - العدد صفة في المعنى، فقولنا: "في خَمْسٍ مِنَ الإِبلِ شَاةٌ" في معنى قولنا: في إِبل خمس، بجعل خمس صفة للإِبل، وهي إِحدى صفتي الذات؛ لأن الإِبل قد نكون خمسًا، وقد تكون غير ذلك، فلما قيد وجوب الشاة فيها بالخمس، فهم أن غيرها بخلاف ذلك، بخلاف المعدود فإِنه لما لم يذكر معه أمر زائد يفهم منه انتفاء الحكم عما عداه صار كاللقب، واللقب لا فرق فيه بين أن يكون واحدًا، أو مثنى، أو جمعًا. ألا ترى أنك لو قلت رجال لم يتوهم أن صيغة الجمع عدد، ولا يفهم منها ما يفهم من التخصيص بالعدد، فكذلك المثنى؛ لأنه اسم موضوع لاثنين، كما أن الرجال اسم موضوع لما زاد على ذلك، فلهذا لم يكن قوله ﷺ "ميْتَتَان؛ يدل على نفي حِلِّ ميتة ثالثة، كما أنه لو قال: أحلت لنا ميتة لم يدل على عدم حلّ ميتة أخرى، نعم إِذا أريد بالمعدود العدد كان محل خلاف كالعدد نفسه، وتفصيل ذلك أن المثنى من جنس تارة يراد به ذلك الجنس، ويكون جانب العدد مغمورًا معه، وتارة يراد به العدد من ذلك الجنس، ويظهر هذا بأنك إِذا أردت الأول قلت: جاءني رجلان لا امرأتان، فلا ينافي ذلك أن يكون جاءه رجال ثلاثة؛ لأن المراد بالمثنى هنا الجنس لا العدد، وإذا أردت الثَّاني قلت: جاءني رجلان لا ثلاثة، فلا ينافي ذلك أن يكون جاءه نسوة؛ لأن المراد هنا العدد من ذلك الجنس، وكذلك الحال في المفرد تقول: جاءني رجل لا امرأة في الأول، أو جاءني رجل لا رجلان في الثَّاني، فإِن كان في الكلام قرينة لفظية، أو حالية تبين المراد اتبعت، وعمل بحسبها، وإلا فلا دليل فيه لواحد منهما، فمن الأول حديث "أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ" لأنه سيق لبيان حلّ هاتين الميتتين، وليس فيه إِشعار بحكم ما سوى ذلك، فكان المقصود منه المعدود لا العدد، ومن الثَّاني قول النبيّ ﷺ: "إِذَا بَلَغَ المَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الخَبَثَ" لأن قوله: "إِذَا بَلَغَ" قرينة دالة على أنه أريد التقييد بهذا القدر المخصوص، فكانت صفة العدد فيه هي المقصودة، ولذلك صح التمسك به عند القائلين بالمفهوم. الثَّاني: ألا يكون المقصود من ذكر العدد التكثير، أما إِذا قصد به ذلك كالسبعين والألف، وغيرهما ممَّا جرى مجراهما في قصد التكثير، والمبالغة في لسان أهل اللغة، فإِنه لا يدل على التحديد، ولا يكون له مفهوم اتفاقًا. قاله ابن فورك. الثالث: ألا يقصد بذكر العدد المعين التنبيه به على ما زاد عليه، وإِلا فلا يدل التقييد به على =