وأشار بقوله: وإن يكن وقت زوال ارتحل فليجمعن حينئذ عند الزوال، إلى أنه إذا ارتحل عند الزوال ونوى أن لا ينزل حتى تغرب الشمس، صلى العصر مع الظهر وقت ارتحاله، قال في التاج: أبو عمر: ذكر أبو الفرج عن مالك يجمع متى أحب، إما في وقت الأولى، أو في وقت الآخرة، أو في وسط الوقت، ثم رشح هذا إلى أن قال: وقد روى مالك عن سالم بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهم أجمعين -أنه قيل له: هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ فقال: نعم، لا بأس به، ألا ترى الناس بعرفة؟ فهذا سالم قد نزع بما ذكرنا، وهذا أصل صحيح، لمن ألهمه الله سبحانه وتعالى رشده، ولم تمل به العصبية إلى المعاندة، ومعلوم أن الجمع للمسافر رخصة وتوسعة، فلو كان الجمع على ما قاله ابن القاسم من مراعاة آخر وقت الظهر وأول وقت العصر، لكان ذلك أشد ضيقا، وأكثر حرجا من الإتيان بكل صلاة في وقتها، ولو كان الجمع على ما ذكره ابن القاسم أيضا لجاز الجمع بين العصر والمغرب، وبين العشاء والصبح.
ولا يخفى عليك أن قوله: لكان ذلك أشد ضيقا، وأكثر حرجا من الإتيان بكل صلاة في وقتها، غير بين، وكذلك قوله: لجاز الجمع بين العصر والمغرب إلخ لما في ذلك من إخراج العصر عن مختارها، وكذلك العشاء، والأبين أن ما ذكره أكثر ورودا على مذهبه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وإذا كان ينوي النزول قبل الاصفرار أخرها حتى ينزل، وإذا كان ينوي النزول بعد الاصفرار وقبل الغروب، فقال ابن بشير -رحمه الله تعالى -المشهور الجمع، وقيل يؤخر الثانية حتى ينزل، وظاهر الشيخ استواء الظهرين والعشاءين في ذلك، وفي المدونة لم يذكر المغرب والعشاء في الجمع عند الرحيل، كالظهر والعصر، وقال سحنون: الحكم في ذلك سواء، الباجي: وجه رواية ابن القاسم أن ذلك الوقت ليس بوقت معتاد للرحيل.