للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيرهم، فكلما عظم إثم البغض دلَّ ذلك على عظم الفضل.

يقول الإمام ابن تيمية: "لأن الحب والبغض يتبع الفضل فمن كان بغضه أعظم دلَّ على أنه أفضل، ودل حينئذٍ على أن محبته دين لأجل ما فيه من زيادة الفضل، ولأن ذلك ضد البغض، ومن كان بغضه سببًا للعذاب لخصوصه كان حبه سببًا للثواب، وذلك دليل على الفضل" (١).

وقد نقل الإمام الذهبي فتوى أبي زرعة العراقي (٢) في تقرير هذه القاعدة فقال: "سئل شيخ الإسلام، محقق عصره: أبو زرعة الولي العراقي -رحمه الله- عمن اعتقد في الخلفاء الأربعة الأفضلية على الترتيب المعلوم ولكنه يحب أحدهم أكثر هل يأثم؟.

فأجاب بأن المحبة قد تكون لأمر ديني وقد تكون لأمر دنيوي، فالمحبة الدينية لازمة للأفضلية، فمن كان أفضل كانت محبتنا الدينية له أكثر، فمتى اعتقدنا في واحد منهم أنه أفضل ثم أحببنا غيره من جهة الدين أكثر كان تناقضًا، نعم إن أحببنا غير الأفضل أكثر من محبة الأفضل لأمر دنيوي كقرابة وإحسان ونحوه فلا تناقض في ذلك ولا امتناع، فمن اعترف بأن أفضل هذه الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم -: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي لكنه أحب عليًا أكثر من أبي بكر مثلًا، فإن كانت المحبة المذكورة محبة دينية فلا معنى لذلك؛ إذ المحبة الدينية لازمة للأفضلية كما قررناه، وهذا لم يعترف بأفضلية أبي بكر إلا بلسانه، وأما


(١) اقتضاء الصراط المستقيم (ص ١٥٦).
(٢) هو: أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين الولي بن الزين العراقي المصري، أبو زرعة، قاضي الديار المصرية، مولده بالقاهرة، رحل به أبوه (الحافظ العراقي) إلى دمشق فقرأ فيها، وعاد إلى مصر فارتفعت مكانته إلى أن ولي القضاء سنة ٨٢٤ هـ، وحمدت سيرته، من كتبه: البيان والتوضيح لمن أخرج له في الصحيح وقد مس بضرب من التجريح، وفضل الخيل، والإطراف بأوهام الأطراف للمزي، ورواة المراسيل، وحاشية على الكشاف، وأخبار المدلسين، وغيرها، وله نظم ونثر كثير، توفي سنة ٨٢٦ هـ. [ترجمته في: البدر الطالع (١/ ٧٢)، والأعلام (١/ ١٤٨)].