للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا يدل على أن عظم محبته -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها- ولأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - إنما هي محبة دينية تابعة لمحبة الله، ولم تكن محبة لمجرد الهوى، أو الطبيعية والجبلة (١).

ولذا يرى بعض أهل العلم أن إخباره - صلى الله عليه وسلم - بحبه لعائشة وأبي بكر - رضي الله عنهما - وحيٌ من الله تبارك وتعالى أوحاه إليه ليتحقق بتلك المحبة (٢).

كما أنه من الممكن أن تكون محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - الطبيعية تابعة للمحبة الشرعية بحيث يكون تناوله لهذه المحبوبات من باب الإذن من الله والتشريع للأمة كما ذكره بعض أهل العلم.

يقول الإمام الشاطبي: "وأيضًا فإنه لا يلزم من حب الشيء أن يكون مطلوبًا بحظ؛ لأن الحب أمر باطن لا يملك، وإنما ينظر فيما ينشأ عنه من الأعمال، فمن أين لك أنه كان -عليه الصلاة والسلام- يتناول تلك الأشياء لمجرد الحظ دون أن يتناوله من حيث الإذن وهذا هو عين البراءة من الحظ، وإذا تبين هذا في القدوة الأعظم - صلى الله عليه وسلم - تبين نحوه في كل مقتدى به ممن اشتهرت ولايته" (٣).

عاشرًا: ويتفرع على ذلك قاعدة ذكرها أهل العلم وهي أن المحبة الدينية لازمة للأفضلية فمن كان أفضل من غيره كانت محبتنا الدينية له أعظم، وعكس الحب البغض، وكلاهما يتبع الفضل والمكانة والمنزلة.

فمن كان إثم بغضه في الشرع عظيمًا كان ذلك دليلًا على فضله ومكانته، فليست محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - كمحبة غيره من أصحابه، كما أنه ليس بغض النبي - صلى الله عليه وسلم - كبغض أبي بكر، أو عمر، وليس بغض الصحابة كبغض


(١) انظر: سير أعلام النبلاء (٢/ ١٤٣)، وحاشية السندي على سنن النسائي (٧/ ٦٨).
(٢) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (٤/ ٩٥)، وانظر: تاريخ الإسلام (٤/ ٢٤٦).
(٣) الموافقات (٢/ ٢٠٠).