للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعني: أن من استلمه تعبدًا مطيعًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- في استلامه له، وفي تقبيله فإنَّه يناله به بركة الاتباع. وقد قال عمر -رضي الله عنه- لما قبَّل الحجر: (إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر) فقوله: لا تنفع ولا تضر؛ يعني: لا يجلب لمن قَبَّلَه شيئًا من النفع، ولا يدفع عن أحد شيئًا من الضر، وإنما الحامل على التقبيل مجرد الاتّساء، تعبدًا لله، ولذلك قال: (ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك)، فهذا معنى البركة التي جعلت في الأمكنة" (١).

أما التبرك بآثار النبي -صلى الله عليه وسلم- المكانية التي قصدها للعبادة، كمقام إبرا هيم، وكعرفات ومزدلفة ومنى وغيرها، فهذه تقصد للعبادة، وتكون البركة فيها بامتثال أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وطاعته، وكفى بذلك بركة.

أما الآثار المكانية التي لم يقصدها -صلى الله عليه وسلم- بقربة ولا طاعة، وإنما نزل فيها لمصادفته أو لحاجته، فهذه لم يثبت عن الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم تتبعوها رجاء بركتها، بل تتبع هذه الآثار من أجل العبادة فيها، والتبرك بها من البدع التي لم يكن عليها فعل السلف، لا من الصحابة ولا من بعدهم، بل هو من فعل أهل الكتاب والمشركين كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عنهم بقوله في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد" (٢).

وقال عمر -رضي الله عنه- عندما رأى الناس يذهبون مذاهب فسأل عن ذلك فقيل له: مسجد صلى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال -رضي الله عنه-: (هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعًا، من عرضت له منكم فيه الصلاة فليصل، ومن لم تعرض له منكم فيه الصلاة فلا يصل) (٣).


(١) التمهيد لشرح كتاب التوحيد (ص ١٢٤ - ١٢٥).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (١/ ٤٦٨) برقم (١٣٢٤)، ومسلم في صحيحه (١/ ٣٧٦) برقم (٥٢٩)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٣) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (٢/ ١٥١)، رقم (٧٥٥٠)، وعبد الرزاق في مصنفه =