للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما يستدل به البعض على جواز التبرك بآثار النبي -صلى الله عليه وسلم- المكانية حديث عتبان بن مالك -رضي الله عنه- المروي في "الصحيحين": "أن عتبان بن مالك وهو من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ممن شهد بدرًا من الأنصار، أنه أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، وودت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى، قال: فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سأفعل إن شاء الله". قال عتبان: فغدا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأذن له، فلم يجلس حتى دخل البيت ثم قال: "أين تحب أن أصلي من بيتك قال: فأشرت له إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكبر، فقمنا فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم" (١).

لكن لا حجة في هذا، وقد بيَّن أهل العلم أن عتبان لم يكن قصده أثر النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى يتبرك به، وإنما كان مقصوده التبرك بكون النبي -صلى الله عليه وسلم- هو أول من يصلي في مسجده.

يقول الإمام ابن تيمية: "لأن عتبان -رضي الله عنه- كان مقصوده بناء مسجد لحاجته إليه، وتبرك بكون النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي فيه أولًا، كما أنه -صلى الله عليه وسلم- بنى مسجد قباء، وبنى مسجده، والمسجد الذي يتخذه بناء أفضل من غيره، كما فضل المسجد الحرام ومسجد سليمان عليه السلام، بخلاف من لم يكن


= (٢/ ١٨)، رقم (٢٧٣٤)، وقال الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله: "وسنده صحيح على شرط الشيخين". [انظر: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد (ص ٩٧)، وما نقل عن ابن عمر - رضي الله عنهما - من تتبعه لآثار النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كان قصده مجرد الاتباع والاتساء بالنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، ولم يكن قصده التبرك بتلك الآثار].
(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب: المساجد في البيوت (١/ ١٦٤)، رقم (٤١٥)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر (١/ ٤٥٥)، رقم (٣٣).