للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به رقة القلب، وتكون مبدأ للانعطاف النفساني الذي هو مبدأ الإحسان" (١)، وقال الجاحظ عن الرحمة: "إنها خلق مركب من الود والجزع، والرحمة لا تكون إلا لمن تظهر منه لراحمه خلة مكروهة، إما نقيصة في نفسه وإما محبة عارضة، فالرحمة هي محبة للمرحوم مع جزع من الحال التي من أجلها رُحم" (٢).

والله - سبحانه وتعالى - هو الرحمن الرحيم، فالرحمة هي من صفات الله - سبحانه وتعالى -، وللإمام الغزالي كلام جميل في ذلك يكفي عن أي كلام، قال - رحمه الله -: ("الرحمن الرحيم" اسمان مشتقان من الرحمة، والرحمة تستدعي مرحوماً، ولا مرحوم إلا وهو محتاج، وهو الذي ينقضي به حاجة المحتاج من غير قصد وإرادة وعناية، فالمحتاج لا يسمى رحيماً، والذي يريد قضاء حاجة ولا يقضيها فإن كان قادراً على قضائها لا يسمى رحيماً؛ إذ لو تمت الإرادة لوفى بها وإن كان عاجزاً، فقد يسمى رحيماً باعتبار ما اعتوره من الرقة ولكنه ناقص.

وإنما الرحمة التامة إضافة الخير على المحتاجين وإرادته لهم، عناية بهم، والرحمة العامة هي التي تتناول المستحق وغير المستحق، ورحمة الله تامة عامة، أما تمامها: فمن حيث أراد قضاء حاجات المحتاجين وقضاها، وأما عمومها فمن حيث شمولها المستحق وغير المستحق، وعم الدنيا والآخرة، وتناول الضرورات والحاجات والمزايا الخارجية منها فهو الرحيم المطلق حقاً" (٣).


(١) الكليات، الكفوي، فصل الراء، ٢/ ٣٧٧.
(٢) تهذيب الأخلاق، الجاحظ، ص ٢٤.
(٣) المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، الغزالي، ص ٦١.

<<  <   >  >>