وَكَلَامُ أَبِي دَاوُدَ فِي رِسَالَتِهِ الَّتِي وَصَفَ فِيهَا كِتَابَهُ، إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ - مُشْعِرٌ بِخِلَافِهِ ; فَإِنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُمْ أَنْ أَذْكُرَ لَكُمُ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِي كِتَابِ السُّنَنُ أَهِيَ أَصَحُّ مَا عَرَفْتُ فِي الْبَابِ؟ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ كَذَلِكَ كُلُّهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ صَحِيحَيْنِ، وَأَحَدُهُمَا أَقْدَمُ إِسْنَادًا، وَالْآخَرُ صَاحِبُهُ قُدِّمَ فِي الْحِفْظِ، فَرُبَّمَا كَتَبْتُ ذَلِكَ، أَيِ: الَّذِي هُوَ أَقْدَمُ إِسْنَادًا، وَلَا أَرَى فِي كِتَابِي مِنْ هَذَا عَشَرَةَ أَحَادِيثَ.
وَلَمْ أَكْتُبْ فِي الْبَابِ إِلَّا حَدِيثًا أَوْ حَدِيثَيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَابِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ، فَإِنَّهَا تَكْثُرُ، وَإِنَّمَا أَرَدْتُ قُرْبَ مَنْفَعَتِهِ، فَإِذَا أَعَدْتُ الْحَدِيثَ فِي الْبَابِ مِنْ وَجْهَيْنِ وَثَلَاثَةٍ، فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ زِيَادَةِ كَلَامٍ فِيهِ، وَرُبَّمَا تَكُونُ فِيهِ كَلِمَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْأَحَادِيثِ.
وَرُبَّمَا اخْتَصَرْتُ الْحَدِيثَ الطَّوِيلَ ; لِأَنِّي لَوْ كَتَبْتُهُ بِطُولِهِ، لَمْ يَعْلَمْ بَعْضُ مَنْ يَسْمَعُهُ الْمُرَادَ مِنْهُ، وَلَا يَفْهَمُ وَضْعَ الْفِقْهِ مِنْهُ، فَاخْتَصَرْتُهُ لِذَلِكَ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَيْسَ فِي كِتَابِ السُّنَنِ الَّذِي صَنَّفْتُهُ عَنْ رَجُلٍ مَتْرُوكِ الْحَدِيثِ شَيْءٌ، وَإِذَا كَانَ فِيهِ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ بَيَّنْتُهُ أَنَّهُ مُنْكَرٌ، وَلَيْسَ عَلَى نَحْوِهِ فِي الْبَابِ غَيْرُهُ.
قَالَ: وَقَدْ أَلَّفْتُهُ نَسَقًا عَلَى مَا صَحَّ عِنْدِي ; فَإِنْ ذُكِرَ لَكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةٌ لَيْسَ فِيمَا خَرَّجْتُهُ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ حَدِيثٌ وَاهٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي كِتَابِي مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، فَإِنِّي لَمْ أُخَرِّجِ الطُّرُقَ ; لِأَنَّهُ يَكْثُرُ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا جَمَعَ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ غَيْرِي. . . إِلَى آخِرِ الرِّسَالَةِ. وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّهُ عَرَضَ سُنَنَهُ عَلَى شَيْخِهِ أَحْمَدَ، فَاسْتَحْسَنَهُ.
وَكَذَا فِيمَا حَكَى ابْنُ مَنْدَهْ أَيْضًا مِمَّا سَمِعَهُ بِمِصْرَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ الْبَارُودِيِّ، كَانَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ (النَّسَائِيُّ) صَاحِبُ السُّنَنِ وَالْآتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute