هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور فِي الْبَاب الَّذِي قبله بأتم مِنْهُ، أخرجه عَن سعيد بن سُلَيْمَان الْبَزَّاز بتَشْديد الزَّاي الأولى الْبَغْدَادِيّ عَن اللَّيْث بن سعد ... الخ، كَذَا هُوَ عَن عَائِشَة عِنْد الْحفاظ من أَصْحَاب ابْن شهَاب، وشذ عمر بن قيس الماصر بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة، فَقَالَ: عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن أم سَلمَة، فَذكر كَحَدِيث الْبَاب سَوَاء. وَأخرجه أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب السّرقَة وَالطَّبَرَانِيّ، وَقَالَ: تفرد بِهِ عمر بن قيس، يَعْنِي: من حَدِيث أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّوَاب رِوَايَة الْجَمَاعَة.
قلت: مَا الْمَانِع من رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن عَائِشَة وَعَن أم سَلمَة كلتيهما.
قَوْله: (أَن قُريْشًا) أَي: الْقَبِيلَة الْمَشْهُورَة، وَلَكِن الظَّاهِر أَن المُرَاد بهم هَهُنَا من أدْرك، مِنْهُم الْقِصَّة الَّتِي بِمَكَّة. قَوْله: (أهمتهم) أَي: جلبت إِلَيْهِم هما، أَو صيرتهم فِي هموم بِسَبَب مَا وَقع مِنْهَا، يُقَال: أهمني الْأَمر أَي: أقلقني، وَالْمعْنَى: أهمتهم شَأْن الْمَرْأَة الَّتِي سرقت وَهِي فَاطِمَة بنت الْأسود بن عبد الْأسد بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم، وَهِي بنت أخي أبي سَلمَة بن عبد الْأسد الصَّحَابِيّ الْجَلِيل الَّذِي كَانَ زوج أم سَلمَة قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قتل أَبوهَا كَافِرًا يَوْم بدر قَتله حَمْزَة بن عبد الْمطلب، وَوهم من زعم أَن لَهُ صُحْبَة، وَقيل: هِيَ أم عمر وَبنت سُفْيَان بن عبد الْأسد وَهِي بنت عمر الْمَذْكُورَة، وَفِيه نظر. قَوْله: (الَّتِي سرقت) زَاد يُونُس فِي رِوَايَته: فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة الْفَتْح، وَبَين ابْن مَاجَه فِي رِوَايَته أَن الْمَسْرُوق القطيفة من بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوَقع فِي مُرْسل حبيب بن أبي ثَابت أَنَّهَا سرقت حليا، وَيُمكن الْجمع بِأَن الْحلِيّ كَانَ فِي القطيفة، وَوَقع فِي رِوَايَة معمر عَن الزُّهْرِيّ فِي هَذَا الحَدِيث أَن الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة كَانَت تستعير الْمَتَاع وتجحده، أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد، وَقد تعلق بِهِ قوم فَقَالُوا: من اسْتعَار مَا يجب الْقطع فِيهِ وجحده فَعَلَيهِ الْقطع، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق، وَقَالَ أَحْمد: لَا أعلم شَيْئا يَدْفَعهُ، وَخَالفهُم المدنيون والكوفيون وَجُمْهُور الْعلمَاء وَالشَّافِعِيّ، وَقَالُوا: لَا قطع فِيهِ، وحجتهم حَدِيث الْبَاب، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: قد يجوز أَن تستعير الْمَتَاع وتجحده، ثمَّ سرقت فَوَجَبَ الْقطع للسرقة. قَوْله: (من يكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟) أَي: من يشفع عِنْده فِيهَا أَن لَا تقطع إِمَّا بفعو وَإِمَّا بِفِدَاء، وَأمر الْفِدَاء جَاءَ فِي حَدِيث مَسْعُود بن الْأسود، وَلَفظه بعد قَوْله: (أعظمنا ذَلِك فَجِئْنَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: نَحن نفديها بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّة، فَقَالَ: تطهر خير لَهَا، وَكَأَنَّهُم ظنُّوا أَن الْحَد يسْقط بالفدية. قلت: مَسْعُود بن الْأسود بن حَارِثَة الْقرشِي الْعَدوي كَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة وأستشهد يَوْم مُؤْتَة قَوْله: (وَمن يجترىء عَلَيْهِ) من الاجتراء وَقَالَ بَعضهم يجترىء يفتعل من الجرأة
قلت: بل من الاجتراء كَمَا قُلْنَا، والجرأة الْإِقْدَام على الشَّيْء. قَوْله: (حب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: محبوبه، وَكَانَ السَّبَب فِي اخْتِصَاص أُسَامَة بذلك مَا أخرجه ابْن سعد من طَرِيق جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن، رضوَان الله عَلَيْهِم، عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأسامة فِي حد، وَكَانَ إِذا شفع شفعه بتَشْديد الْفَاء أَي: قيل شَفَاعَته. قَوْله: (فَكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِالنّصب، وَفِي رِوَايَة قُتَيْبَة: فَكَلمهُ أُسَامَة. قَوْله: (أَتَشفع؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على سَبِيل الْإِنْكَار. قَوْله: (وأيم الله) بِهَمْزَة الْوَصْل وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الْأَيْمَان، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي الْوَلِيد: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، وَفِي رِوَايَة يُونُس، وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ، قَوْله: (لَو أَن فَاطِمَة بنت مُحَمَّد) إِنَّمَا خص فَاطِمَة ابْنَته رَضِي الله عَنْهَا، لِأَنَّهَا أعز أَهله عِنْده. قَوْله: (لقطع مُحَمَّد يَدهَا) وَفِي رِوَايَة أبي الْوَلِيد والأكثرين: لقطعتُ يَدهَا. وَفِي الأول تَجْرِيد.
٣١ - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} (الْمَائِدَة: ٨٣)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله تَعَالَى: {وَالسَّارِق والسارقة} ... إِلَى آخِره، إِنَّمَا ترْجم الْبَاب بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة لبَيَان أَن قطع يَد السَّارِق ثَبت بِالْقُرْآنِ وبالأحاديث أَيْضا، وَأطلق الْيَد، وَالْمرَاد مِنْهَا: الْيَمين، يدل عَلَيْهِ قِرَاءَة ابْن مَسْعُود {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أيمانهما} رَوَاهُ الثَّوْريّ عَن جَابر بن يزِيد عَن عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ عَن ابْن مَسْعُود. وَالسَّرِقَة على وزن فعلة بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْعين من سرق يسرق من بَاب ضرب يضْرب وَهِي فِي اللُّغَة: أَخذ الشَّيْء خُفْيَة بِغَيْر إِذن صَاحبه مَالا كَانَ أَو غَيره، وَفِي الشَّرْع: هِيَ أَخذ مُكَلّف خُفْيَة قدر عشرَة دَرَاهِم مَضْرُوبَة محرزة بمَكَان أَو حَافظ، وَفِي الْمِقْدَار خلاف سَنذكرُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute