للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هِيَ، وَإِن تخفوها وتؤتوها فقراءهم فَهُوَ خير لكم. قَالُوا: فَأَما من أعْطى فُقَرَاء الْمُسلمين من زَكَاة وَصدقَة وتطوع فإخفاؤه أفضل، ذكر ذَلِك يزِيد بن أبي حبيب. وَنقل الطَّبَرِيّ وَغَيره الْإِجْمَاع على أَن الإعلان فِي صَدَقَة الْفَرْض أفضل من الْإخْفَاء وَصدقَة التَّطَوُّع على الْعَكْس من ذَلِك. وَنقل أَبُو إِسْحَاق الزّجاج أَن إخفاء الزَّكَاة فِي زمن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ أفضل، فَأَما بعده فَإِن الظَّن يساء بِمن أخفاها، فَلهَذَا كَانَ إِظْهَار الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة أفضل. وَقَالَ أَبُو عَطِيَّة: وَيُشبه فِي زَمَاننَا أَن يكون الْإخْفَاء بِصَدقَة الْفَرْض أفضل، فقد كثر الْمَانِع لَهَا وَصَارَ إخْرَاجهَا عرضة للرياء. قَوْله: {إِن تبدوا} (الْبَقَرَة: ١٧٢) . قَالَ الزّجاج: يَعْنِي: تظهروا، يُقَال: بدا يَبْدُو إِذا ظهر، وأبديته إبداء إِذا أظهرته، وبدا لي بداء إِذا تغير رَأْيه عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ. قَوْله: {فَنعما هِيَ} (الْبَقَرَة: ١٧٢) . فِيهِ قراآت موضعهَا فِي محلهَا. قَوْله: {وَإِن تخفوها} (الْبَقَرَة: ١٧٢) . من الْإخْفَاء، يُقَال: أخفيت الشَّيْء إخفاء إِذا سترته، وخفي الشَّيْء خَفَاء إِذا استتر، وخفيته أخفيه خفِيا إِذا أظهرته. وَأهل الْمَدِينَة يسمون النباش المختفي. وَفِي تَفْسِير ابْن كثير. قَوْله: {وَإِن تخفوها وتؤتوها الْفُقَرَاء} (الْبَقَرَة: ١٧٢) . فِيهِ دَلِيل على أَن إسرار الصَّدَقَة أفضل من إظهارها، لِأَنَّهُ أبعد عَن الرِّيَاء إلَاّ أَن يتربت على الْإِظْهَار مصلحَة راجحة من اقْتِدَاء النَّاس بِهِ، فَيكون أفضل من هَذِه الْحَيْثِيَّة، والإسرار أفضل لهَذِهِ الْآيَة. وَلما ثَبت فِي (الصَّحِيح) عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (سَبْعَة يظلهم الله) الحَدِيث، وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون أخبرنَا الْعَوام بن حَوْشَب عَن سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان عَن أنس بن مَالك، عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (لما خلق الله الأَرْض جعلت تميد، فخلق الْجبَال فألقاها عَلَيْهَا فاستقرت، فتعجب الْمَلَائِكَة من خلق الْجبَال، فَقَالَت: يَا رب، فَهَل من خلقك شَيْء أَشد من الْجبَال؟ فَقَالَ: نعم الْحَدِيد. قَالَت: يَا رب فَهَل من خلقك شَيْء أَشد من الْحَدِيد؟ قَالَ: نعم النَّار. قَالَت: يَا رب فَهَل من خلقك شَيْء أَشد من النَّار؟ قَالَ: نعم المَاء. قَالَت: يَا رب فَهَل من خلقك شَيْء أَشد من المَاء؟ قَالَ: نعم الرّيح. قَالَت: يَا رب فَهَل من خلقك شَيْء أَشد من الرّيح؟ قَالَ: نعم، ابْن آدم يتَصَدَّق بِيَمِينِهِ فيخفيها من شِمَاله) . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا أبي، قَالَ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن زِيَاد الْمحَاربي، مُؤذن محَارب، أخبرنَا مُوسَى بن عُمَيْر عَن عَامر الشّعبِيّ. فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ وَإِن تخفوها وتؤتوها الْفُقَرَاء فَهُوَ خير لكم} (الْبَقَرَة: ١٧٢) . قَالَ: أنزلت فِي أبي بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. أما عمر: فجَاء بِنصْف مَاله حَتَّى دَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا خلفت وَرَاءَك لأهْلك يَا عمر؟ قَالَ: خلفت لَهُم نصف مَالِي. وَأما أَبُو بكر، فجَاء بِمَالِه كُله، فكاد أَن يخفيه من نَفسه حَتَّى دَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا خلفت وَرَاءَك يَا أَبَا بكر؟ فَقَالَ: عدَّة الله وعدة رَسُوله، فَبكى عمر، وَقَالَ: بِأبي أَنْت يَا أَبَا بكر، وَالله مَا أسبقنا إِلَى بَاب خير قطّ ألَاّ كنت سَابِقًا، وَتَمام الْآيَة الْمَذْكُورَة: {ونكفر عَنْكُم من سَيِّئَاتكُمْ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} (الْبَقَرَة: ١٧٢) . أَي: نكفر عَنْكُم بدل الصَّدقَات من سَيِّئَاتكُمْ أَي من ذنوبكم، قَرَأَ ابْن عَامر وَعَاصِم من رِوَايَة حَفْص: يكفر، بِالْيَاءِ وَضم الرَّاء، وَقَرَأَ حَمْزَة وَنَافِع وَالْكسَائِيّ: ونكفر، بالنُّون وَجزم الرَّاء، وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم فِي رِوَايَة أبي بكر: ونكفر، بالنُّون وَضم الرَّاء {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} (الْبَقَرَة: ١٧٢) . أَي: لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء من ذَلِك وسيجزيكم عَلَيْهِ، وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.

٤١ - (بابٌ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَهْوَ لَا يَعْلَمُ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا تصدق رجل على شخص غَنِي، وَالْحَال أَنه لم يعلم أَنه غَنِي، يَعْنِي ظَنّه فَقِيرا. وَجَوَاب: إِذا، مُقَدّر أَي: فصدقته مَقْبُولَة، وَإِن كَانَت وَقعت فِي غير محلهَا لعدم التَّقْصِير من جِهَته.

٢٥ - (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان قَالَ أخبرنَا شُعَيْب قَالَ حَدثنَا أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. قَالَ قَالَ رجل لأتصدقن بِصَدقَة فَخرج بِصَدَقَتِهِ فوضعها فِي يَد سَارِق فَأَصْبحُوا يتحدثون تصدق على سَارِق فَقَالَ اللَّهُمَّ لَك الْحَمد لأتصدقن بِصَدقَة فَخرج

<<  <  ج: ص:  >  >>