مِمَّا صنعت النَّصَارَى فِي الزِّيَادَة على مَا افْترض عَلَيْهِم برأيهم الْفَاسِد، وَقد صَحَّ عَن أَكثر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ كَرَاهَة صَوْم يَوْم الشَّك إِنَّه من رَمَضَان، مِنْهُم: عَليّ وَعمر وَابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وَابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَأنس وَأَبُو وَائِل وَابْن الْمسيب وَعِكْرِمَة وَإِبْرَاهِيم وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَالْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَاق، وَجَاء مَا يدل على الْجَوَاز عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: لِأَن اتعجل فِي صَوْم رَمَضَان بِيَوْم أحب إِلَيّ من أَن أتأخر، لِأَنِّي إِذا تعجلت لم يفتني، وَإِذا تَأَخَّرت فَاتَنِي، وَمثله عَن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعَن مُعَاوِيَة، لِأَن أَصوم يَوْمًا من شعْبَان أحب إِلَيّ من أَن أفطر يَوْمًا من رَمَضَان، وروى مثله عَن عَائِشَة، وَأَسْمَاء بِنْتي أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فَإِن حَال دون منظره غيم وشبهة، فَكَذَلِك لَا يجب صَوْمه عِنْد الْكُوفِيّين وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري، وَرِوَايَة عَن أَحْمد، فَلَو صَامَهُ وَبَان أَنه من رَمَضَان يحرم عندنَا، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ. وَقَالَ ابْن عمر وَأحمد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَطَائِفَة قَليلَة: يجب صَوْمه فِي الْغَيْم دون الصحو. وَقَالَ قوم: النَّاس تبع للْإِمَام إِن صَامَ صَامُوا وَإِن أفطر أفطروا، وَهُوَ قَول الْحسن وَابْن سِيرِين وسوار الْعَنْبَري وَالشعْبِيّ فِي رِوَايَة، وَأحمد فِي رِوَايَة.
وَقَالَ مطرف بن عبد الله بن الشخير وَابْن شُرَيْح عَن الشَّافِعِي وَابْن قُتَيْبَة والداودي، وَآخَرُونَ: يَنْبَغِي أَن يصبح يَوْم الشَّك مُفطرا متلوما غير آكل وَلَا عازم على الصَّوْم، حَتَّى إِذا تبين أَنه من رَمَضَان قبل الزَّوَال نوى، وَإِلَّا أفطر فِيمَا ذكره الطَّحَاوِيّ، وَيَوْم الشَّك هُوَ أَن يشْهد عِنْد القَاضِي من لَا تقبل شَهَادَته أَنه رَآهُ أَو أخبرهُ من يَثِق بِهِ من عبد أَو امْرَأَة، فَلَو صَامَهُ وَنوى التَّطَوُّع بِهِ فَهُوَ غير مَكْرُوه عِنْد الْحَنَفِيَّة، وَبِه قَالَ مَالك، وَفِي (شرح الْهِدَايَة) : وَالْأَفْضَل فِي حق الْخَواص صَوْمه بنية التَّطَوُّع بِنَفسِهِ وخاصته، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن أبي يُوسُف، وَفرض الْعَوام التَّلَوُّم إِلَى أَن يقرب الزَّوَال. وَفِي (الْمُحِيط) إِلَى الزَّوَال، فَإِن ظهر أَنه من رَمَضَان نوى الصَّوْم وإلَاّ أفطر، وَإِن صَامَ قبل رَمَضَان ثَلَاثَة أَيَّام أَو شعْبَان كُله أَو وَافق يَوْم الشَّك يَوْمًا كَانَ يَصُومهُ فَالْأَفْضَل صَوْمه بنية النَّفْل. .
وَفِي (الْمَبْسُوط) الصَّوْم أفضل، قَالَ: وَتَأْويل النَّهْي أَن يَنْوِي الْفَرْض فِيهِ، وَفِي (الْمُحِيط) : إِن وَافق يَوْمًا كَانَ يَصُومهُ فالصوم أفضل وإلَاّ فالفطر أفضل، وَالصَّوْم قبله بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ مَكْرُوه، أَي صَوْم كَانَ، وَلَا يكره بِثَلَاثَة، وَهُوَ قَول أَحْمد.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يكره التَّطَوُّع إِذا انتصف شعْبَان، لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا انتصف شعْبَان فَلَا تَصُومُوا) ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا نعلم أحدا روى هَذَا الحَدِيث غير الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن، وروى عَن أَحْمد أَنه قَالَ: هُوَ لَيْسَ بِمَحْفُوظ، قَالَ: وَسَأَلنَا عبد الرَّحْمَن ابْن مهْدي عَنهُ فَلم يُصَحِّحهُ، وَلم يخدش بِهِ، وَكَانَ يتوقاه، قَالَ أَحْمد والْعَلَاء: لَا يُنكر من حَدِيثه إلَاّ هَذَا، وَفِي رِوَايَة الْمروزِي: سَأَلنَا أَحْمد عَنهُ فَأنكرهُ، وَقَالَ أَبُو عبد الله: هَذَا خلاف الْأَحَادِيث الَّتِي رويت عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعَلى تَقْدِير صِحَة قَول التِّرْمِذِيّ يُعَارضهُ حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، (أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لرجل: هَل صمت من سرر شعْبَان؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَإِذا أفطرت فَصم يَوْمَيْنِ) . وسرر الشَّهْر آخِره، سمي بذلك لاستتار الْقَمَر فِيهِ. وروى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث مُعَاوِيَة: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (صُومُوا الشَّهْر وسره وَأَنا مُتَقَدم بالصيام، فَمن أحب فليفعله) . وَعَن أم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يَصُوم من السّنة شهرا كَامِلا إلَاّ شعْبَان يصله برمضان، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن، وَعند الْحَاكِم، على شَرطهمَا: عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: كَانَ أحب الشُّهُور إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَصُوم شعْبَان ثمَّ يصله برمضان، وَفِي (مُعْجم الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ) فِي حرف الْعين الْمُهْملَة، بِسَنَد فِيهِ ابْن صَالح كَاتب اللَّيْث بن سعد: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد، حَدثنَا ابْن شهَاب عَن سَالم، قَالَ: كَانَ عبد الله بن عمر يَصُوم قبل هِلَال رَمَضَان بِيَوْم.
وَقَالَ غيرُهُ عنِ اللَّيْثِ قَالَ حدَّثني عُقَيْل ويُونسُ لِهِلَالِ رَمَضَانَ
أَي: قَالَ غير يحيى بن بكير، وَأَرَادَ بِهَذَا الْغَيْر: أَبُو صَالح عبد الله بن صَالح كَاتب اللَّيْث، حَدثنِي عقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد الْأَيْلِي كَذَلِك أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيقه، قَالَ: حَدثنِي اللَّيْث حَدثنِي عقيل عَن ابْن شهَاب، وَذكره بِلَفْظ: سَمِعت النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول لهِلَال رَمَضَان: (إِذا رَأَيْتُمُوهُ فصوموا) الحَدِيث. قَوْله: (وَيُونُس) أَي: يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي. وَفِي (التَّلْوِيح) حَدِيث يُونُس رَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه) قلت: حَدِيثه رَوَاهُ مُسلم عَن حَرْمَلَة، وَلَكِن لَيْسَ فِي رِوَايَته: لهِلَال، فَقَالَ: حَدثنِي حَرْمَلَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute