للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما قيل عن اليوم الآخر غدا؛ تقريبا له، كما جاء في الآية الكريمة حكاية عن استبعاد المشركين له فقال: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (٦) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (٧)} [المعارج ٦ - ٧] "قال قتادة: "مازال ربكم يقرب الساعة حتى جعله كغد، فغد يوم القيامة " (١)

"وقال الضحاك وابن زيد: "الأمس الدنيا، وغداً الآخرة، وقرأ ابن زيد: ... {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:١٨] فقال: يعني يوم القيامة الخير والشر، وقال الأمس في الدنيا، وغد في الآخرة " (٢)

وإن كانت العرب تكني عن المستقبل بالغد، إلا أن المولى جل وعلا سماه غداً - وهو اليوم الذي يلي يومك - "تقريباً له لأن كل ما هو آت قريب " (٣)

"فهذه الدنيا كلها يوم واحد، يجيء فيه ناس ويذهب آخرون، والموت والآخرة غده، لابد من كل منهما، وكل ما لابُد منه فهو في غاية القرب، لاسيما إن كان باقياً غير منقضٍ، وكل من نظر لغده، أحسن مراعاة يومه" (٤) ولهذا قال بعض أهل التفسير: "هذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه " (٥).

ولفظ الغد في الآية محتمل لوجهين (٦):

١. محتمل ليوم الموت الذي هو انتهاء عمر الإنسان، فإن لكل امرئ غده.

٢. ومحتمل لليوم الآخر الذي لا يوم بعده.

ومع احتمال هذا اللفظ لهذين الوجهين، إلا أن فيه وجه استعارة: " فإنما كانت الآخرة كالغد؛ لأن الناس في الدنيا نيام، ولا انتباه إلا عند الموت الذي هو مقدمة القيامة، فكلٌ من الموت والقيامة، كالصباح بالنسبة للغافل كما أن الغد صباح بالنسبة للنائم في الليل " (٧).


(١) مكي القيسي: الهداية إلى بلوغ النهاية، مجموعة بحوث الكتاب والسنة، كلية الشريعة، جامعة الشارقة (١١/ ٧٤٠٦).
(٢) الطبري: جامع البيان في تأويل القرآن ت: أحمد محمد شاكر، ص (٢٣/ ٢٩
(٣) ابن جزي: التسهيل لعلوم التنزيل، ت: د. عبدالله الخالدي (٢/ ٣٦٢).
(٤) البقاعي: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (١٩/ ٤٥٨).
(٥) - السعدي: تيسير الكريم الرحمن ت: عبدالرحمن اللويحق، ص (٧٩١)
(٦) - ابن عطية: المحرر الوجيز (٥/ ٢٩١)
(٧) الخلوتي: روح البيان (٩/ ٤٤٧).

<<  <   >  >>