للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذكر الإمام الرازي (١) وجه الدلالة من الآية في الحجة على المكذبين بالبعث من عدة أوجه كلها تدل على جواز الحشر:

أولها: أن الماء جسم ثقيل بالطبع، واصعاد الثقيل، أمر على خلاف الطبع، فلا بد من قاهر يقهر الطبع، ويبطل الخاصية، ويصعد ما من شأنه الهبوط والنزول.

ووجه دلاله هذا الدليل على جواز الحشر: أن صعود الثقيل قلب للطبيعة، فإذا جاز ذلك، فلم لا يجوز أن يظهر الحياة والرطوبة من حساوة التراب والماء؟

ثانيها: أن تلك الذرات المائية اجتمعت بعد تفرقها، فلما قدر على جمع تلك الذرات المائية بعد تفرقها، فلِمَ لا يجوز جمع الأجزاء الترابية بعد تفرقها؟

ثالثها: تسييرها بالرياح، فإذا قدر على تحريك الرياح التي تضم بعض الأجزاء المتجانسة إلى بغض، فلم لا يجوز ها هنا؟

رابعها: إنزالها في مظان الحاجة، والأرض الجرز، فإذا أنشأ سبحانه وتعالى السحاب لحاجة الناس، فهاهنا الحاجة إلى إنشاء المكلفين مرة أخرى ليصلوا إلى ما استحقوه من الثواب والعقاب أولى.

الرابع: قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (٧٢)} [الواقعة:٧١ - ٧٢].

قال أبو حيان:" والنار من أعظم الدلائل على البعث، وفيها انتقال من شيء إلى شيء، وأحداث شيء بعد شيء" (٢).

ووجه الدليل والحجة من الآية: هذه النار التي تظهر منها بالقدح من الشجر الرطب: {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (٧٢)} أي: المخترعون الخالقون، فإذا عرفتم قدرتي فاشكروني، ولا تنكروا قدرتي على البعث (٣).


(١) الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (٢/ ٣٥٤ - بتصرف)
(٢) أبو حيان: البحر المحيط، دار الفكر - بيروت، ١٤٢٠ هـ، ت: صدقي جميل، ص (١٠/ ٩٠).
(٣) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن،، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط ٢ - ١٣٨٤ هـ، (١٧/ ٢٢١).

<<  <   >  >>