للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووجه الحجة عليهم: بهذه النطفة التي تمنون في أرحام نسائكم {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ}: أي: أأنتم تخلقون هذا المني حتى يصير فيه الروح، {أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} ٢) أي: بل نحن الخالقون.

قال الأزهري: " إن الله احتج عليهم بأبلغ دليل في البعث والإحياء بعد الموت في هذه الآية، وذلك أن المني الذي يسقط من الإنسان ميت، ثم يخلق الله منه شخصًا حياً، وقد كانوا مقرين أن الله خلقهم من النطف، وكانوا منكرون للإحياء بعد الموت، فألزمهم أنهم لما أقروا بخلق حي من نطفة ميتة يلزمهم أن يقروا بإعادة الحياة في ميت، ومعنى الآية: كما أقررتم بذلك فأقروا بهذا " (١).

وقال الإمام الرازي في تقرير هذه الحجة بوجه بديع مفاده: " أن أجزاء المني الحاصل من فضلة الرحم يجمع أجزاء طلبه، وأن تلك الأجزاء كانت متفرقة، فكانت أولاً في أطراف العالم، فجمعها المولى سبحانه في بدن ذلك الحيوان، وكذا كانت متفرقة في أطراف بدن الحيوان، فجمعها الله سبحانه وتعالى في أوعية المني، ثم أخرجها ماء دافقاً إلى قرار الرحم، فإذا كانت هذه الأجزاء متفرقة، فجمعها الله سبحانه في أوعية المني، ثم أخرجها ماء دافقاً إلى قرار الرحم، وكوّن منها ذلك الشخص، فإذا افترقت بالموت مرة أخرى فكيف يمتنع عليه جمعها مرة أخرى" (٢).

الثاني: قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤)} [الواقعة:٦٣ - ٦٤].

وهذه حجة أخرى على منكري البعث ووجهها:


(١) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط ٢ - ١٣٨٤ هـ، (١٧/ ٢١٦)
(٢) الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (٢/ ٣٥).

<<  <   >  >>