غير واقع، هَذَا أمر واقع أقرَّ بأن الذِّكر جاءه وقامتْ عليه الحجَّة وأضلَّه هَذَا الخليل بعد إذ جاءه.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [بأنْ رَدَّني عنِ الإيمان به، قال اللَّه تَعَالَى:{وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ} الكافِر {خَذُولًا} بأنْ يَتْرُكَه ويَتَبَرَّأ منه عند البلاءِ].
قوله:{وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} كأنَّ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ مشَى عَلَى أَنَّ هَذِهِ الجملة ليستْ من قول الظالمِ، وأن قول الظالمِ انتهى عند قولِه تَعَالَى:{بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي}، وعلى هَذَا فيَنْبَغِي الوقفُ على قوله:{لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} فتقف ثم تستأنِف وتقول: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا}.
وقوله:{الشَّيْطَانُ} يُرادُ به الجِنْسُ؛ لِأَنَّ الشياطينَ كثيرونَ، قال اللَّه تَعَالَى:{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ}[الشعراء: ٢١٠]، وقال عَزَّ وَجَلَّ:{طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}[الصافات: ٦٥]، فالمراد به هنا الجِنس، وهم أنواع.
والظاهرُ -واللَّه أعلم- أنَّ لكلِّ نوعٍ من المعاصي شيطانًا؛ كشيطان الشركِ، وشيطانِ الجحودِ، وشيطان البخلِ، وغيرِ ذلك، فلكلِّ نوعٍ شيطانٌ هَذَا ما يَظْهَر، واللَّه أعلَمُ.
وقوله:{لِلْإِنْسَانِ} المراد به على كَلام المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ الكافِرُ، وهو عُقْبَةُ بنُ أبي مُعَيْطٍ، أو عامٌّ؛ لِأَنَّ هَذَا الكَلام من كَلام اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ليس من كَلام الظالم، فيَحتمِل أنْ يَكُونَ عامًّا للكافرِ والمؤمنِ؛ فإن الشيطان أيضًا يُغوِي المؤمنَ، ثم بعد ذلك يَتَخَلَّى عنه، فالظاهرُ أنَّ المرادَ بالإنْسَانِ هنا الجنس، يعني المؤمن أو الكافر، وإنَّما قُلْنا: إن ذلك هو الظاهِر لِأَنَّهُ كما يُغوِي الكافرينَ بالكفرِ كذلك يُغْوِي المؤمنينَ بالفِسْقِ.