قُلْنَا: هَذَا صحيحٌ، لكِن قد لا يَكُون الكَسْب هَذَا من يدِ الْإِنْسَانِ نفسِه؛ لأن البلاءَ إذا نَزَلَ يَعُمُّ، فقد يَكُونُ ما أُصيبَ بِهِ الْإِنْسَانُ من ذنوبِ غيرِه، ليَكُونَ موعظةً له، فيُبتلَى بِهَذَا وهذا، بالحُكم الشرعيِّ والقَدَريّ، وربما يَكُون هناك ذنوب خَفِيَّة ليست بيِّنة، فيُبتلَى بِهَا، والذنوب لَيْسَ معناها فِعل المعاصي لُزُومًا، قد يَكُون الذنب تقصيرًا فِي واجبٍ، لكِن الآية عامَّة: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٣٠]، ولْيُعْلَمْ أنَّ البلاءَ مِنَ المصائبِ، والمصائبُ من الذنوبِ، قَالَ تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}، هَذهِ الذنوبُ لِآثَارِها موانعُ، وهي الاستغفارُ والتوبةُ والرجوعُ إِلَى اللَّه.
الْفَائِدَة الخامسة: إثباتُ عذابِ القبرِ، كما أشار إليه المُفَسِّر أَنَّهُ سَيُلازِمُهُمُ العذابُ بعدَما يَحُلُّ بهم فِي الدُّنْيا، فيَكُون فِي هَذَا إثبات لعذاب القبرِ، وقد دلَّتْ عليه السنَّة الصريحةُ، وظاهرُ القُرْآنِ، كما مرَّ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: قوله عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [الأحقاف: ١٥]، بعض العوامّ يقول: الْإِنْسَان لا يَكُونُ صالحًا إِلَّا إذا بلغَ أربعينَ سنةً، وهَذَا ليس صحيحًا أبدًا، لكِن المعنى أن الْإِنْسَان لا يَرجع فِي الغالبِ وَيَتَبيَّن ويَتَفَطَّن الأمر إِلَّا إذا بلغَ أربعينَ سنةً، فكل إنْسَان مكلَّف يعقل، وكَوْنه لم يبلُغِ الأربعينَ لَيْسَ بعُذْرٍ، لكِن يقال: إنك لا تعقِل الأمورَ، فأنتَ الآنَ فِي الحقيقةِ فِي حالةِ سَفَهٍ، وكما يَقُولُونَ: الشباب جنونٌ، لا تعقِل هَذَا الأمرَ إِلَّا إذا بلغتَ أَشُدَّكَ وعَرَفْتَ ما يَحْصُل من أولادِك. ولهذا قال: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} [الأحقاف: ١٥]، فهنا يَتَبَّيِن مدى عُقُوقِ الوالدينِ، إذا كبِر الْإِنْسَان وجاءه أولادٌ ورأى مَنْزِلَةَ البِرِّ بالوالدينِ من أولادِهِ، فأنتَ لا تشعُر فِي الحقيقة بمودَّة الوالدينِ لكَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute