للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نقول: الْفَائِدَةُ هي حَثُّ النَّاس عَلَى الدعاءِ، وأن يَحْرِصَ الْإِنْسَان عَلَى الدعاءِ؛ لأجلِ أن يَمْتَنِعَ بِهَذَا الدعاءِ ما كَانَ موجودًا أسبابُه من القضاءِ.

لَكِنْ لَوْ قِيلَ: هَذَا يخالِفُ الظاهرَ، ولو قُلْنَا بظاهِرِهِ لَخَالَفْنَا أَيْضًا القدرَ؛ لأن الدعاء مقدَّر، وعدم الدعاء مقدَّر، حَتَّى دعاؤك أنت مقدَّر، بل كل شَيْءٍ مقدَّر، فمعناه: لا بد أنْ تَدْعُوَ فيرد القضاء الَّذِي انعقدتْ أسباب وجوده، فالدعاء مانعٌ، وأسبابُ وجودِ القضاءِ الَّذِي كَانَ سَيَقَع لولا هَذَا المانع موجودةٌ.

فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: الإِشْكالُ إذا قَالَ قائل: إذا كَانَ الدعاء مقدَّرًا فمعناه أن هَذَا الَّذِي قُدِّر لن يقعَ؟

فيقال: إن أسبابَ هَذَا الَّذِي قُدِّر موجودةٌ، والدعاء مانع، فيَكُون عندنا أسبابٌ انعقدتْ لِحُصُولِ هَذَا الواقعِ الَّذِي مَنَعَهُ الدعاءُ، وكلُّ منها مقدَّر.

الْفَائِدَة الثالثة والرابعة: إثباتُ الأَسْبابِ، لِقَوْلِهِ: {لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}، وإثبات الموانعِ أَيْضًا؛ لقولِهِ: {لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}، ففيها إثباتُ الموانعِ لمَا انعقدَ سَبَبُه، وإثباتُ الأَسْبابِ لمَا لم يوجدْ حَتَّى يَكُون، وإثبات الموانع أَيْضًا موجود بكثرةٍ، الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرَ عندَ الكسوفِ بالصلاةِ والدعاءِ والاستغفارِ (١)، وهذا مانعٌ للعذابِ الَّذِي انعقدَ سَبَبُه ووُجِدَ الإنذارُ بِهِ، فيمنع هَذَا العذابَ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: قد تكونُ المصيبةُ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا للعبدِ ابتلاءً لِرَفْعِهِ دَرَجَتَه، كما حصل عَلَى الأنبياءِ؛ كنُوح ولُوط، حيث ابتلاهما اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعاَلَى بِزَوْجَتَيْهِمَا، وهما مِنَ الأنبياءِ، وكما حصل للرسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- من عُمُومتِه؟


(١) أخرجه البخاري: أبواب الكسوف، باب الصلاة في كسوف الشمس، رقم (١٠٤٠).

<<  <   >  >>