فإذا كَانَ الغرض من التَّخيير مُراعَاة التسهيل على المكلف؛ فهو من باب التشهي، يعني الَّذِي تشتهيه افعله.
وإذا كَانَ التَّخيير من أجل مصلَحَة عامَّة أو خاصة، فإنَّه تخيير مصلَحَة، وَذلِك فيما إِذَا كَانَ يَتعلَّق بالغير، فتخيير ولي اليتيم في بَيْع مالِه أو حبسه أو إقراضِه أو عدم إقراضِه، هَذَا من باب تخيير المصْلَحة؛ لأنه يتصرف لغيره، وكَذلِك أيضًا تخيير النَّبِيّ عَلِيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في قَوْلهُ:{فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ} هَذَا تخيير مصلَحَة، إِذَا كَانَ إِذْن الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - لِهَوُلَاءِ لا يضر بالجمع.
وفيه أيضًا مصلَحَة بيِّنة أكثر من مصلَحَة بقائهم فهُنا يتعين الإذن، وإذا كَانَ يخشى إن أذن لهم أن يكثر المستأذنون وينهدم هَذَا الجمع أو أن بقاءهم في هَذَا الجمع أصلح لهم من ذهابهم لشأنهم؛ فهُنا يتعين ألّا يأذن لهم، فتخيير النَّبِيّ عَلِيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هُنا يرجع إلى المصْلَحة: إِذَا اقتضت المصْلَحة الإذن أذِن، وإلَّا فلا.
وقَوْلهُ:{لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} عبر بالبعض إِشارَة إلى أنهم إِذَا استأذنوا لشَيْء مهم، وإن لم يكن شؤونًا متعددة فإنَّه يَكُون عذرًا في جَواز الاسْتِئْذان والإذن لهم، ثم مع ذَلِك قَالَ:{وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ}، هَذَا الاستغفار لهم لتطييب قلوبهم إِذَا انصرفوا عن هَذَا الجمع وفاتهم أجره فاستغفر لهم الرَّسُول عَلِيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ؛ فإن قلوبهم تطيب بالانصراف ولا يبقى في قلوبهم حرج وقلق؛ هَذَا من جهة.
ومن جهة أُخْرَى يستغفر لهم، لأَنَّه قد يَكُون في اسْتِئْذانهم هَذَا أمر لا يُعذرون فيه، هم ظنّوه عذرًا فاستأذنوا من أجله، وهو لَيْسَ بعذر عند الله، وَيكُون استغفارك