وهَذ قاعِدَة عامَّة لكل اجتماع؛ فكل الاجتماعات العامَّة الَّتِي لمصلَحَة الإِسْلام والمُسْلِمِينَ لا يجوز لأحد أن ينصرف إلَّا بعذر وبعد الاسْتِئْذان.
قَوْلهُ:{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} لا شَكَّ أن تركيب الجُمْلَة على هَذَا يدُلّ على الشَّرف ورِفْعَة المكانة؛ لقَوْلهُ:{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ} فإن (أولاء) اسم إِشارَة يدُلّ على تعظيم المشار إلَيْه؛ ولهَذَا جاء بِصيغَة البعيد {أُولَئِكَ} إِشارَة إلى علو مرتبتهم، ثم جاء مؤكَّدًا بـ (إنَّ) ثم جاء السِّيَاق بالجُمْلَة الاسْمية: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} فحصر الإِيمَان باللهِ ورسوله في هَؤُلَاءِ الَّذينَ يستأذنون رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن ينصرفوا إِذَا كانوا معه على أمر جامع.
قَوْلهُ:{فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} فاشترط الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يَكُون الاسْتِئْذان لشأن من الشُّؤون؛ يعني لأمر من الْأُمُور الَّتِي يعذرون بها بالتخلف عن الجمع، ثم قَالَ للرَّسول:{فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ} فجعله أيضًا مخيرًا في الإذن وعدمه؛ {فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ}.
وهَذَا التَّخيير؛ هل هو تخيير تشهي وإرادة مطلقة أو تخيير مصلَحَة؟
تخيير مصلَحَة، لكن ما هو الضَّابِط لتخيير المصْلَحة وتخيير التشهي والإِرادَة المطلقة؟
إذا كَانَ التَّخيير من أجل الرفق بالمكلَّف؛ فهو تخيير تشهٍّ؛ مثل ما يوجد في بعض الكفارات: ككَفَّارة الْيَمِين قَالَ تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ