قَائِلًا: مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَلِلنَّسَائِيِّ أَيْضًا بِضْعَ عَشْرَةَ ثَلَاثَمِائَةٍ، فَإِنْ صِحَّتْ فَلَعَلَّهُ اقْتَصَرَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ اسْتِسْهَالًا لِأَمْرِ الْكَسْرِ لِقِلَّتِهِ، لَكِنَّ الْأَخْذَ بِالزِّيَادَةِ مَعَ صِحَّتِهَا وَاجِبٌ ; لِأَنَّهُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ.
(قَالَ) جَابِرٌ: (وَأَنَا فِيهِمْ) ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ "، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ وَهْبٍ: " نَحْمِلُ زَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا "، (فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ) الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ لِلتَّكَلُّمِ (فَنِيَ) - بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَكَسْرِ النُّونِ: فَرَغَ (الزَّادُ) جَوَّزَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى فَنِيَ: أَشْرَفَ عَلَى الْفَنَاءِ، (فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ) - بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَإِسْكَانِ الزَّايِ، وَفَتْحِ الْوَاوِ وَالدَّالِ - تَثْنِيَةَ مِزْوَدٍ بِالْكَسْرِ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الزَّادُ.
(قَالَ) جَابِرٌ: (فَكَانَ) أَبُو عُبَيْدَةَ (يُقَوِّتُنَاهُ) - بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالتَّخْفِيفِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ، وَبِضَمِّهِ وَالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّقْوِيتِ - (كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (حَتَّى فَنِيَ) مَا فِي الْمِزْوَدَيْنِ مِنَ التَّمْرِ، (وَلَمْ تُصِبْنَا) مِمَّا جُمِعَ ثَانِيًا مِنَ الْأَزْوَادِ الْخَاصَّةِ، (إِلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ) كُلَّ يَوْمٍ هَكَذَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى فَنِيَ: أَشْرَفَ عَلَى الْفَنَاءِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ: ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّهُمْ كَانَ لَهُمْ أَزْوَادٌ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ وَأَزْوَادٌ بِطَرِيقِ الْخُصُوصِ، فَلَمَّا فَنِيَ الَّذِي بِطَرِيقِ الْعُمُومِ اقْتَضَى رَأْيُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنْ يَجْمَعَ الَّذِي بِطَرِيقِ الْخُصُوصِ لِقَصْدِ الْمُوَاسَاةِ بَيْنَهُمْ، فَفَعَلَ فَكَانَ جَمِيعُهُ مِزْوَدًا وَاحِدًا.
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: " «فَزَوَّدَنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً» "، وَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ حَدِيثَ الْبَابِ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ الزَّادَ الْعَامَّ كَانَ قَدْرَ جِرَابٍ، فَلَمَّا نَفِدَ وَجَمَعَ أَبُو عُبَيْدَةَ الزَّادَ الْخَاصَّ اتَّفَقَ أَنَّهُ قُدِّرَ جِرَابٌ، وَيَكُونُ كُلٌّ مِنَ الرَّاوِيَيْنِ ذَكَرَ مَا لَمْ يَذْكُرِ الْآخَرُ، وَأَمَّا تَفْرِقَتُهُ تَمْرَةً تَمْرَةً، فَكَانَ فِي ثَانِي الْحَالِ، انْتَهَى.
وَلَا بَأْسَ بِمَا قَالَ إِلَّا قَوْلَهُ: مِزْوَدًا وَاحِدًا، فَإِنَّ الْحَدِيثَ هُنَا، وَفِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ رُوِيَ بِالتَّثْنِيَةِ، وَقَوْلُ عِيَاضٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي أَزْوَادِهِمْ تَمْرٌ غَيْرُ الْجِرَابِ الْمَذْكُورِ، وَرَدَّهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ حَدِيثَ وَهْبٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الَّذِي اجْتَمَعَ مِنْ أَزْوَادِهِمْ مِزْوَدَا تَمْرٍ، وَرِوَايَةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّدَهُمْ جِرَابًا مَنْ تَمْرٍ، فَصَحَّ أَنَّ التَّمْرَ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِ الْجِرَابِ، قَالَ: وَقَوْلُ غَيْرِهِ يُحْتَمَلُ أَنَّ تَفْرِقَتَهُ عَلَيْهِمْ تَمْرَةً تَمْرَةً قَصْدًا لِبَرَكَتِهِ، وَكَانَ يُفَرِّقُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَزْوَادِ الَّتِي جُمِعَتْ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ بَعِيدٌ مِنَ السِّيَاقِ، بَلْ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، فَقَلَّتْ أَزْوَادُنَا حَتَّى مَا كَانَ يُصِيبُ الرَّجُلَ مِنَّا إِلَّا تَمْرَةٌ، قَالَ وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ: (فَقُلْتُ) لِجَابِرٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute