وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلَاثُ مِائَةٍ قَالَ وَأَنَا فِيهِمْ قَالَ فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ قَالَ فَكَانَ يُقَوِّتُنَاهُ كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى فَنِيَ وَلَمْ تُصِبْنَا إِلَّا تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ فَقُلْتُ وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ فَقَالَ لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حَيْثُ فَنِيَتْ قَالَ ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلْعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَا ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا وَلَمْ تُصِبْهُمَا»
قَالَ مَالِكٌ الظَّرِبُ الْجُبَيْلُ
ــ
١٧٣٠ - ١٦٨٠ - (مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ) الْقُرَشِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبِي نُعَيْمٍ الْمَدَنِيِّ الْمُعَلِّمِ، ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْجَمِيعِ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْثًا قِبَلَ) - بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ - جِهَةَ (السَّاحِلِ) ، أَيْ سَاحِلِ الْبَحْرِ، زَادَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " يَرْصُدُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ "، وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ: " بَعَثَنَا إِلَى أَرْضِ جُهَيْنَةَ "، وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ بَعْثَهُمْ إِلَى حَيٍّ مِنْ جُهَيْنَةَ بِالْقَبْلِيَّةِ - بِفَتْحِ الْقَافِ، وَالْمُوَحَّدَةِ، وَكَسْرِ اللَّامِ، وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ - مِمَّا يَلِي سَاحِلَ الْبَحْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ خَمْسُ لَيَالٍ، وَأَنَّهُمُ انْصَرَفُوا، وَلَمْ يَلْقَوْا كَيْدًا، أَيْ حَرْبًا، وَلَا مُنَافَاةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْبَعْثَ لِلْمُتَصَدِّينَ رَصَدَ عِيرَ قُرَيْشٍ، وَقَصَدَ مُحَارَبَةَ حَيٍّ مِنْ جُهَيْنَةَ، قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ، قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنَّ تَلَقِّيَ عِيرِ قُرَيْشٍ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ فِي الْهُدْنَةِ، بَلْ مُقْتَضَى مَا فِي الصَّحِيحِ أَنْ يَكُونَ الْبَعْثُ فِي سَنَةِ سِتٍّ، أَوْ قَبْلَهَا قَبْلَ هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، نَعَمْ يُحْتَمَلُ أَنَّ تَلَقِّيَهُمْ لِلْعِيرِ لَيْسَ لِحَرْبِهِمْ، بَلْ لِحِفْظِهِمْ مِنْ جُهَيْنَةَ، وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْخَبَرِ أَنَّهُمْ قَاتَلُوا أَحَدًا، بَلْ فِيهِ أَنَّهُمْ أَقَامُوا نِصْفَ شَهْرٍ وَأَكْثَرَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: قَالُوا: كَانَ ذَلِكَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ بَعْدَ نَكْثِ قُرَيْشٍ الْعَهْدَ، وَقَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْهُدَى: كَوْنُهُ فِي رَجَبٍ غَيْرَ مَحْفُوظٍ إِذْ لَمْ يُحْفَظْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَلَا أَغَارَ فِيهِ، وَلَا بَعَثَ فِيهِ سَرِيَّةً، قَالَ الْحَافِظُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْحَلَبِيُّ: هَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ مَلِيحٌ لَكِنَّهُ عَلَى مُخْتَارِهِ مِنْ عَدَمِ نَسْخِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ كَشَيْخِهِ ابْنِ تَيْمِيَةَ تَبَعًا لِلظَّاهِرِيَّةِ، وَعَطَاءٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ مِنْ نَسْخِهِ.
(فَأَمَّرَ) - بِشَدِّ الْمِيمِ - أَيْ جَعَلَ أَمِيرًا (عَلَيْهِمْ) ، أَيْ عَلَى الْبَعْثِ (أَبَا عُبَيْدَةَ) عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ الْجَرَّاحِ) الْقُرَشِيَّ الْفِهْرِيَّ أَحَدَ الْعَشَرَةِ الْبَدْرِيَّ مِنَ السَّابِقِينَ، مَاتَ شَهِيدًا بِطَاعُونِ عَمْوَاسٍ سَنَةَ ثَمَانَ عَشْرَةَ أَمِيرًا عَلَى الشَّامِ مِنْ قِبَلِ عُمَرَ.
وَفِي رِوَايَةِ حَمْزَةَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي عَاصِمٍ: " أَمَّرَ عَلَيْنَا قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ "، قَالَ الْحَافِظُ: وَالْمَحْفُوظُ مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ رِوَايَاتُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَكَأَنَّ أَحَدَ رُوَاتِهِ ظَنَّ مِنْ صُنْعِ قَيْسٍ مِنْ نَحْرِ الْإِبِلِ الَّتِي اشْتَرَاهَا أَنَّهُ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
(وَهُمْ) ، أَيِ الْجَيْشُ (ثَلَاثُمِائَةٍ) عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الرِّوَايَاتِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَبِهِ جَزَمَ أَهْلُ السِّيَرِ كَابْنِ سَعْدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute