(وَمَا تُغْنِي) عَنْكُمْ (تَمْرَةٌ) ، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ وَهْبٍ: وَأَيْنَ كَانَتِ التَّمْرَةُ تَقَعُ مِنَ الرَّجُلِ؟ (فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا) مُؤَثِّرًا (حَيْثُ فَنِيَتْ) ، لِأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ لَا شَيْءَ، إِذْ تُحَلِّي الْفَمَ وَتَرُدُّ بَعْضَ أَلَمِ الْجُوعِ.
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: " أَنَّهُ أَيْضًا سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا، فَقُلْتُ: مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟ قَالَ: نَمُصُّهَا كَمَا يَمُصُّ الصَّبِيُّ الثَّدْيَ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ فَيَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ "، وَزَادَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: " «فَأَقَمْنَا عَلَى السَّاحِلِ حَتَّى فَنِيَ زَادُنَا، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ» " - بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، وَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ - أَيْ وَرَقَ السَّلَمِ - بِفَتْحَتَيْنِ - شَجَرٌ عَظِيمٌ لَهُ شَوْكٌ كَالْعَوْسَجِ وَالطَّلْحِ، قِيلَ: وَهُوَ الَّذِي أَكَلُوا وَرَقَهُ.
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: " «وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ وَنَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ» "، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَابِسًا خِلَافًا لِزَعْمِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ كَانَ أَخْضَرَ رَطْبًا، وَلِهَذَا تُعْرَفُ بِسَرِيَّةِ الْخَبَطِ.
(قَالَ) جَابِرٌ: (فَانْتَهَيْنَا) ، وَفِي رِوَايَةٍ: " ثُمَّ انْتَهَيْنَا " (إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ) : اسْمُ جِنْسٍ لِجَمِيعِ السَّمَكِ، وَقِيلَ: مَخْصُوصٌ بِمَا عَظُمَ مِنْهُ، (مِثْلُ الظَّرِبِ) - بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةِ، وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَمُوَحَّدَةٍ، حَكَى ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ بِالْمُعْجَمَةِ السَّاقِطَةِ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ - الْجَبَلُ الصَّغِيرُ، وَقَالَ الْقَزَّازُ: هُوَ بِسُكُونِ الرَّاءِ إِذَا كَانَ مُنْبَسِطًا لَيْسَ بِالْعَالِي.
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: " «فَوَقَعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْنَاهُ، فَإِذَا هِيَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ» "، وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: " فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ "، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَيْضًا: " فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ نَرَ مِثْلَهُ يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ "، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْعَنْبَرُ دَابَّةٌ بَحْرِيَّةٌ كَبِيرَةٌ يُتَّخَذُ مِنْ جِلْدِهَا التِّرْسَةُ، وَيُقَالُ إِنَّ الْعَنْبَرَ الْمَشْمُومَ رَجِيعُ هَذَا الدَّابَّةِ، وَقِيلَ: الْمَشْمُومُ يَخْرُجُ مِنَ الشَّجَرِ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ فِي أَجْوَافِ السَّمَكِ الَّذِي تَبْتَلِعُهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ: رَأَيْتُ الْعَنْبَرَ نَابَتَا فِي الْبَحْرِ مُلْتَوِيًا مِثْلَ عُنُقِ الشَّاةِ، وَفِي الْبَحْرِ دَابَّةٌ تَأْكُلُهُ وَهُوَ سُمٌّ لَهَا فَيَقْتُلُهَا فَيَقْذِفُهُ الْبَحْرُ فَيَخْرُجُ الْعَنْبَرُ مِنْ بَطْنِهَا.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْعَنْبَرُ سَمَكَةٌ تَكُونُ بِالْبَحْرِ الْأَعْظَمِ يَبْلُغُ طُولُهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا، يُقَالُ لَهَا: بَالَةٌ وَلَيْسَتْ عَرَبِيَّةً.
(فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً) ، وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: " فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ "، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ: " فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا "، قَالَ الْحَافِظُ: وَيُجْمَعُ بِأَنَّ مَنْ قَالَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، ضَبَطَ مَا لَمْ يَضْبِطْهُ غَيْرُهُ، وَمَنْ قَالَ نِصْفَ شَهْرٍ، أَلْغَى الْكَسْرَ الزَّائِدَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَمَنْ قَالَ شَهْرًا جَبَرَ الْكَسْرَ، أَوْ ضَمَّ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ وِجْدَانِهِمُ الْحُوتَ إِلَيْهَا، وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ رِوَايَةَ أَبِي الزُّبَيْرِ لِمَا فِيهَا مِنَ الزِّيَادَةِ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهْمٌ، وَلَعَلَّ الْجَمْعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute