للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ - وتمتاز المعلقة بوفرة معانيها وتنوع أغراضها وجمعها بين السهولة والغرابة في اللفظ وبين الرقة والمتانة في الأسلوب وبين الحكمة واللهو والجد والهزل في النهج والحياة.

وتصور الشاعر وحياته وأمانيه ومطامحه ولذاته ولهوه وبيئته والحياة فيها تصويراً جميلاً رائعاً حد الدقة والإحكام والجمال.

٥ - وحدة القصيدة وفنونها: ونحن نقف أمامها معجبين بجمالها وانسجامها وقوة شاعريتها وتأجج عواطف الشاعر فيها، وهذه الوحدة التامة الظاهرة على أغراضها وفنون القول فيها.

(أ) بدأها الشاعر بالغزل فذكر أطلال خولة محبوبته ووقف عليها وبكاها:

لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

وقوفاً بها صحبي على مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجلد

ثم يذكر قباب خولة وهي ظاعنة ويشبهها بالسفينة تشبيهاً جميلاً قوياً، فيقول:

كأن حدوج المالكية غدوة ... خلايا سفين بالنواصف من دد

عدولية أو من سفين ابن يامنيجور بها الملاح طورا ويهتدي

يشق حباب الماء حيزومها بها ... كما قسم الترب المفايل باليد

وهو في هذا الوصف يرسم صورة جميلة للسفن الكبيرة التي كان يراها ويشاهدها تسير في الماء على شواطئ البحرين وسواها.

ثم يصف جمال محبوبته وينعتها نعتاً جميلاً قوياً مؤثراً عذباً، يدل على امتلاء نفسه بالحب، وعلى خضوعه لأسر الجمال:

وفي الحي أحوى ينفض المرد شادن ... مظاهر شمطي لؤلؤ وزبرجد

وتبسم عن ألمي كأن منوراً ... تخلل حر الرمل دعص له ندى

ووجه كأن الشمس حلت رداءها ... عليه، نقي اللون لم يتخدد

(ب) ثم يأخذ الشاعر في وصف ناقته التي يسير عليها ليسلي عن نفسه الهموم والأحزان، ووصفه لها طويل في خمسة وثلاثين بيتاً، ويجيء به في لفظ غامض غريب، لا تكاد تفهمه إلا بصعوبة وعسر ومشقة ومراجعة وطول عناء.

قال طرفة فيما قال في وصف ناقته:

وإني لأمضي الهم عند احتضاره ... بهوجاء مرفال تروح وتغتدي

أمون كألواح الأران نسأتها ... على لاحب كأنه ظهر برجد

إلى أن يقول:

وإن شئت لم ترقل وإن شئت أرقلت ... مخافة ملوى من القد محصد

على مثلها أمضى إذا قال صاحبي ... ألا ليتني أفديك منها وأفتدي

وجاشت إليه النفس خوفاً وخاله ... مصاباً ولو أمسى على غير مرصد

(ج) ثم يفتخر الشاعر بنفسه ويفرغ لها. ويصف فتوته وكرمه ولذاته ومجده، ولهوه بشرب الراح، في وضوح وسهولة فيقول:

إذا القوم قالوا: من فتى خلت أنني ... عنيت، فلم أكسل ولم أتبلد

ولست بحلال التلاع مخافة ... ولكن متى يسترفد القوم أرفد

وإن تأتني في حلقة القوم تلقني ... وإن تقتنصني في الحوانيت تصطد

وإن يلتق الحي الجميع تلاقني ... إلى ذروة البيت الرفيع المصمد

راماي بيض كالنجوم وقينة ... تروح علينا بين برد ويحسد

ثم يذكر أثر لهوه وشربه الخمر في حياته وبين قبيلته، ويتحدث عن لذاته في الحياة ويصفها، ويلوم من يعذله في اللهو والإسراف، ويفند رأيهم ويقول: إن الكريم المسرف والبخيل المقتر مآلهما واحد إلى القبر:

ومازال تشرابي الخمور ولذتي ... وبيعي وإنفاقي طريقي ومتلدي

إلى أن تحامتني العشيرة كلها ... وأفردت إفراد البعير المعبد

رأيت بني غبراء لا ينكرونني ... ولا أهل هذاك الطراف الممدد

ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي

فإن كنت لا تستطيع دفع منيتي ... فدعني أبادرها بما ملكت يدي

ويعتد بلذاته اعتداداً كبيراً وبذكرها:

فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام عودي

فمنهن سبقي العاذلات بشربة ... كميت متى ما تعل بالماء تزيد

وكرى إذا نادى المضاف مجنبا ... كسيد الغضا نبهته المتورد

وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ... ببهكنة تحت الطراف الممدد

أي شرب الراح وركوب الخيل، واللهو مع امرأة جميلة:

أرى قبر نحام بخيل بماله ... كقبر غوى في البطالة مفسد

أرى الموت يعنام الكرام ويصطفى ... عقيلة مال الفاحش المتشدد

<<  <   >  >>