[امرؤ القيس الشاعر الجاهلي المتوفي عام ٥٦٠م - ٨٠ ق. هـ]
[ترجمة الشاعر]
- ١ - هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث الأكبر. وهو من قبيلة كندة. وكندة قبيلة يمنية، كانت تسكن قبل الإسلام غربي حضرموت؛ وكانت على اتصال بالحميريين. وفي عهد حسان بن تبع ملك حمير كان حجر بن عمرو سيد كندة في حاشية حسان. وقد فتح حسان فتوحاً كثيرة في جزيرة العرب، فولى حجراً بعض قبائلها ودانت كلها لحجر الكندي؛ كما دان حجر بالولاء لحمير، ونزل حجر نجداً؛ وكان اللخميون ملوك الحيرة قد بسطوا نفوذهم على تلك البلاد؛ وخاصة بلاد بكر بن وائل؛ فحارب حجر اللخميين وأزال نفوذهم.
وفي عهد الحارث بن عمرو بن حجر اتسع سلطان كندة؛ واتصل الحارث بقباذ ملك الفرس فولاه الحيرة مكان اللخميين؛ ونشر نفوذه - وسط الجزيرة - على كثير من قبائل العرب؛ وفرق الملك في أبنائه الأربعة: فولى ابنه حجراً (أبا امرئ القيس) بني أسد؛ وابنه شرحبيل بكر بن وائل؛ وابنه معد يكرب قبيلة قيس وكنانة وابنه سلمة قبيلتي تغلب والنمر بن قاسط.
ولكن هذا النفوذ لم يدم طويلاً؛ فقد عاد اللخميون إلى نفوذهم في الحيرة وقربهم من ملك فارس؛ ودسوا الدسائس لأولاد الحارث فقتل سلمة وشرحبيل وتنكر بنو أسد لحجر؛ ونبذوا طاعته؛ وأمسكوا عن دفع الأتاوة له. واستعان حجر بجند من ربيعة وأعمل في بني أسد السيف؛ واستباح أموالهم؛ وحبس أسرافهم؛ ومنهم عبيد بن الأبرص الشاعر؛ ثم رق لهم وأطلق سراحهم فحقدوا عليه واغتالوه.
وفي أخبار الرومان أن حجراً وأخاه معد يكرب قاما ببعض غزوات على حدود المملكة البيزنطية من أواخر القرن الخامس الميلادي.
وبموت حجر تضعضعت سلطة كندة.
- ٢ - نشأ امرؤ القيس في بيت ملك واسع الجاه، وكان من صباح ذكياً متوقد الذهن فلما ترعرع أخذ يقول الشعر ويصور به عواطفه وأحلامه. نشأ نشأت ترف؛ يحب اللهو ويشبب بالنساء ويقول في ذلك الشعر الماجن. فطرده أبوه وآلى ألا يقيم معه فكان يسير في أحياء العرب، ومعه طائفة من شباب القبائل الأخرى؛ كطيئ وكلب، وبكر بن وائل، يجتمعون على الشراب والغناء عند روضة أو غدير، ويخرج هو للصيد فيصيد ويطعمهم من صيده. وظل كذلك حتى جاءه نعي أبيه وهو بدمون (قرية بالشام وقيل في اليمن) ، فرووا أنه قال: "ضيعني أبي صغيرا، وحملني دمه كبيرا، لا صحو اليوم، ولا سكر غدا، اليوم خمر، وغداً أمر".
رحل امرؤ القيس يستنصر القبائل للأخذ بثأر أبيه من بني أسد فاستنجد بقبيلتي بكر وتغلب فأعانوه وأوقعوا ببني أسد؛ وقتلوا منهم، واكتفت بكر وتغلب بذلك وقالوا له قد أصبت ثأرك وتركوه. ولكن امرؤ القيس كان يريد التنكيل ببني أسد ويحاول أن يعيد لنفسه ملك أبيه، فلم يقنعه ما فعلت بكر وتغلب، فذهب إلى أهله باليمن يستنصرهم، فأعانوه بجنود ذهب بهم إلى بني أسد، ولكن ملك الحيرة أخذ يؤلب عليه ويدس الدسائس له حتى فشل.. وظل شريداً يتنقل بين أمراء العرب حتى نزل أخيراً على السموءل بتيماء فأجاره. وطلب إليه امرؤ القيس أن يكتب إلى الحارث - أمير الغساسنة بالشام - ليوصله إلى قيصر ملك الرومان ويمهد لامرئ القيس السبيل للسفر إلى القسطنطينية؛ يطلب المعونة منه ليعيد ملكه فأجاب السموءل طلبه فأودعه امرؤ القيس امرأته ودروعاً له كان يتوارثها ملوك كندة، ورحل إلى قيصر. وكان ذلك في عهد القيصر (يوستنيانوس) .
ويرى أن القيصر أحسن وفادته، وكان السبب في ذلك - على ما يظهر - أن امرأ القيس كان طريد اللخميين في الحيرة، وأمراء الحيرة في كنف الفرس. والفرس أعداء الروم. فلعل (يوستنيانوس) أراد أن يعينه ويجعل منه ومن أعوانه جيشاً ينتقم بهم من أمراء الحيرة، ويصطنعه كما اصطنع غساسنة الشام.
وقد ذكر بعض مؤرخي الرومان خبر رحلته إلى القسطنطينية، وسموه "قيساً" لا امرأ القيس، وذكروا أن القيصر وعده بإعادة ملكه ثم ولاه فلسطين، ولكن هذا لم يرض امرأ القيس فقفل راجعاً.
ولكن مؤرخي العرب يروون أن القيصر قبل وفادته وضم إليه جيشاً وفيهم جماعة من أبناء الملك؛ وأن قوماً من أصحاب قيصر قالوا له: "إن العرب قوم غدر ولا تأمن أن يظفر بما يريد ثم يغزوك بمن بعثت معه".