عن زوجه فهو لها بمنزلة اللباس؛ وكذلك هي له بمنزلة اللباس؛ وعبر سبحانه باللباس لما فيه من ستر العورة، والحماية، والصيانة؛ وإلى هذا يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم:«يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج»(١).
ثم بيَّن الله عز وجل حكمة أخرى موجبة لهذا الحل؛ وهي قوله تعالى:{علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم} أي تخادعونها بإتيانهن، بحيث لا تصبرون؛ والظاهر ــ والله أعلم ــ أن هذا الاختيان بكون الإنسان يفتي نفسه بأن هذا الأمر هين؛ أو بأنه صار في حال لا تحرم عليه زوجته؛ وما أشبه ذلك؛ وأصل هذا أنهم كانوا في أول الأمر إذا صلى أحدهم العشاء الآخرة، أو إذا نام قبل العشاء الآخرة فإنه يحرم عليه الاستمتاع بالمرأة والأكل والشرب إلى غروب الشمس من اليوم التالي؛ فشق عليهم ذلك مشقة عظيمة حتى إن بعضهم لم يصبر؛ فبين الله عز وجل حكمته، ورحمته بنا، حيث أحل لنا هذا الأمر؛ ولهذا قال تعالى:{علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم}.
قوله تعالى:{فتاب عليكم}: أي تاب عليكم بنسخ الحكم الأول الذي فيه مشقة؛ والنسخ إلى الأسهل توبة كما في قوله تعالى في سورة المزمل:{علم أن لن تحصوه فتاب عليكم}[المزمل: ٢٠]؛ فيعبر الله عز وجل عن النسخ بالتوبة إشارة إلى أنه
(١) أخرجه البخاري ص ٤٣٨، كتاب النكاح، باب ٣: من لم يستطع الباءة فليصم، حديث رقم ٥٠٦٦، وأخرجه مسلم ص ٩١٠، كتاب النكاح، باب ١: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة ... ، حديث رقم ٣٣٩٨ [١] ١٤٠٠.