بـ {اتبعت}؛ يعني: إذا وقع هذا الاتباع بعد العلم فإنه يكون الظالم؛ وقوله تعالى:{من بعد ما جاءك} وردت في القرآن على ثلاثة أوجه؛ هذا أحدها؛ والثاني {بعد ما جاءك من العلم}؛ والثالث:{بعد الذي جاءك من العلم}، أما {بعدما جاءك من العلم}، و {بعد الذي ... } فلا فرق بينهما إلا أنه عبر بـ {ما} عن {الذي}؛ وأما {من بعد ما جاءك} فهي أبلغ من قوله تعالى: {بعد الذي جاءك}؛ لأن {مِن} تدل على أنه جاءه العلم، وتمهل، وحصل هذا الأمر بعد مجيء العلم؛ نظير ذلك قوله تعالى:{ومن بيننا وبينك حجاب}[فصلت: ٥]؛ فهو أشد مما لو قالوا:«بيننا وبينك حجاب»؛ لأن {مِن} تدل على مسافة قبل الحجاب، ثم حجاب، والمراد بـ «العلم» الوحي الذي نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى:{إنك إذاً لمن الظالمين}: أكدت بـ {إن} واللام؛ وهذه الجملة جواب القسم؛ و {إذاً} ظرف؛ وهنا أدوات ثلاث: إذ، وإذا، وإذاً؛ وهذه الأدوات الثلاثة تنازعت الأزمنة:«إذ» للماضي؛ و «إذا» للمستقبل؛ و «إذاً» للحاضر؛ فمعنى {إنك إذاً} أي إنك في حال اتباعك أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم {لمن الظالمين} أي المعتدين الذين نقصوا الواجب عليهم من اتباع الحق دون الأهواء.
الفوائد:
١ ــ من فوائد الآية: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على هداية الخلق؛ لأن قوله تعالى:{ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية} دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعرض الآيات، ويبين الحقائق؛ ولكن لا ينتفعون بها.