للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ينقطع نعيمهم كما انقطع نعيم أهل الدنيا بالموت، فلا دلالة في الآية على انتفاء موتة أخرى بعد المسألة وقبل دخول الجنة.

وأما قوله {إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: ٥٦] فهو تأكيد لعدم موتهم في الجنة على سبيل التعليق بالمحال، كأنه قيل: لو أمكن ذوقهم الموتة الأولى لذاقوا في الجنة الموت، لكنه لا يمكن بلا شبهة فلا يتصور موتهم فيها. وقد يقال: {إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: ٥٦] للجنس لا للوحدة، وإن كانت الصيغة للواحد نحو {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢)} [العصر: ٢] وليس فيها نفي تعدد الموت؛ لأن الجنس يتناول المتعدد أيضًا بدليل أن الله تعالى أحيا كثيرًا من الأموات في زمان موسى وعيسى وغيرهما - عليهم السلام - وذلك يوجب تأويل الآية بما ذكرنا (١).

وأما الجواب عن استدلالهم بقوله تعالى {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢)) [فاطر: ٢٢] فهو أن عدم إسماع أهل القبور لا يستلزم عدم إدراكهم، على أن الآية لا تنفي سماع أهل القبور كما لا يخفي على من تأمل في سياق الآية (٢).

[٢٠٧ أ/ص]

وأما الجواب عن دليلهم العقلي فهو أن المصلوب لا يعد في الإحياء فيه والمساءلة مع عدم المشاهدة كما في صاحب السكتة، فإنه حي مع أنَّا لا نشاهد حياته وكما في رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - جبريل - عليه السلام - وهو بين أظهر أصحابه مع ستره عنهم، ولا بعد في رد الحياة إلى بعض / أجزاء البدن فيختص بالإحياء والمساءلة والعذاب وإن لم يكن ذلك مشاهدًا لنا، على أن التمسك بتفرق الأجزاء مبني على اشتراط البنية وهو ممنوع عندنا، فلا بُعد في أن يعاد (٣) الحياة إلى الأجزاء المتفرقة في المشارق والمغارب، وإن كان خلاف العادة فإن خوارق العادة غير ممتنعة في مقدور الله تعالى،


(١) المواقف (٣/ ٥٢٢).
(٢) عمدة القاري (٨/ ١٤٧).
(٣) [تعاد].