ويقول ربنا جل ذكره:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} ١١٢: الأنعام، وغنى عن القول أن وحي الشياطين هذا إلى أوليائهم ليصل إلا وسوسة شياطين الجن لبعض ولشياطين الإنس، فكل يمنى الآخر ويخدع نفسه وغيره، ويعولون جميعا على باطل منهار، وهذه الوسوسة المخادعة المخاتلة، وهذا الوحي الشيطاني لا صلة لهما بوحي الله إلا صلة الظلام الحالك بالنور الأسنى.. ويزداد هذا المعنى إيضاحا بتدبر قوله تعالى:{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} ١٢١: الأنعام، وهذا الوحي الشيطاني وسيلة إلى (الاستكثار) و (الاستمتاع) المشار إليهما في قوله عز من قائل {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ١٢٨، ١٢٩: الأنعام.
ثم أن حقيقة هذا الوحي هي الشقاء التعيس كما قال سبحانه:{أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} ٨٢، ٨٤: مريم، وقانا الله سبيلهم، وألزمنا كلمة التقوى، وجعلنا أحق بها وأهلها.