٢- أن معاذا رضي الله عنه لم يذكر الإجماع من المصادر التي يصح الاعتماد عليها في تشريع الأحكام، بل اقتصر على الكتاب والسنة والاجتهاد، وذلك عندما وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا إلى اليمن وسأله بماذا تقضي.. [٤٤] وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك ودعا له، وحمد الله على توفيقه. فلو كان الإجماع من مصادر الأحكام لذكره معاذ ولما ساغ له تركه مع حاجته إليه، ولما أقره النبي عليه السلام على تركه ورُدّ ذلك: بأن م عاذا رضي الله عنه إنما ذكر المصادر التي يمكن الاعتماد عليها في تشريع الأحكام في زمن النبي عليه السلام ومعروف أن الإجماع ليس حجة في حياته. وأن تقرير النبي عليه الصلاة والسلام مطابق للواقع في حياته وليس فيه دلالة على عدم حجية الإجماع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم -[٤٥] .
٣- قالوا: إن الإجماع لا يخلو إما أن يكون عن دليل قطعي أو عن دليل ظني، فإن كان عن دليل قطعي، أحالت العادة عدم الإطلاع عليه، وعلى تقدير الإطلاع عليه يكون هو مستند الحكم وليس الإجماع، وإن كان عن دليل ظني فإن العادة تمنع اتفاقهم لاختلاف القرائح والأنظار [٤٦] .
ورُدّ ذلك: بأن العادة لا تمنع من أن يكون الإجماع بموجب دليل قطعي، ولا يجب نقله بعد انعقاد الإجماع الذي هو دليل أقوى لأن به يرتفع الخلاف الداعي إلى نقل الدليل. كما أنه لا مانع من وقوعه بموجب دليل ظني كخبر الواحد. واختلاف القرائح والأنظار لا يمنع من الاتفاق وغايته أنه قد يقلل من عدد الإجماعات.
وبهذا يتضح لنا تهافت ما أثاره القائلون بعدم حجية الإجماع من شبهات وأنها لا تقوى بحال على معارضة الأدلة الكثيرة التي احتج بها القائلون بحجيته وهم جمهور العلماء من جميع المذاهب الإسلامية.
٤- أنواع الإجماع:
أولا: الإجماع البياني والإجماع السكوتي.
أ- الإجماع البياني أو الصريح، وهو يتنوع إلى نوعين إجماع قولي، وإجماع عملي.